ن من ذلك أنه كان لا يأكل من سماط السلطان، ولا من رواتبه شيئاً. بل كان له جهة حقيرة يتحقق حلها فكان قوته منها، وكان غالب أيامه يسرد الصوم، وكان لما يريد الفطر من صيامه، يأتيه الطباخ بزبدية واحدة فيها مقدار خمسة أرطال لحم، ثم علاها شوربه. قال بعضهم: فكنا نقعد نأكل معه من تلك الزبدية نحواً من عشرين نفراً، ويأكل هو أيضاً شبعه، ونشبع كلنا، ويفضل منه ما يأكله الغلمان. ومنها، أنه كان يدعو أن يكون موته قبل موت الملك الظاهر برقوق، فكان كذلك، فإنه توفي يوم ثالث شهر رمضان سنة إحدى وثمانمائة. وكانت وفاة برقوق، بعد نصف ليلة الجمعة خامس عشر شوال من السنة المذكورة.
ومما يدل على دينه وصلاحه، أنه مات وهو أعلى منزلة عند الملك الظاهر برقوق من كل أحد. وبعد هذا أبيع موجود وخيوله وقماشه، وما وجد له عين، الجميع لم يدخل ثلاثمائة دينار، ولا وجد له ملك. وإنما وقف بعض دور وحوانيت، على الصهريج الذي أنشأه بتربة أستاذه منجك، تجاه القلعة بالقرب من باب الوزير، وفي هذا كفاية.
هذا مع تمكنه عند الملك الظاهر برقوق، وطول مكثه في وظيفة الخازندارية،