ثم اخذ مرض السلطان يتزايد إلى ثاني ذي الحجة، جمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة، وعهد لولده محمد، وأن يكون الأمير جانبك الصوفي متكلماً في الأمور، ويكون الأمير برسباي الدقماقي الدوادار الكبير لالا، وحلف الأمراء على ذلك، كما حلف هو غير مرة لابن الملك المؤيد شيخ.
واستمر الملك الظاهر ططر أمره في انحطاط إلى أن توفي ضحى يوم الأحد رابع ذي الحجة من سنة أربع وعشرين وثمانمائة وله نحو خمسين سنة، ودفن من يومه بالقرافة بجوار الإمام الليث بن سعد، ونزل معه نحو الثلاثين رجلاً، وأنزل من باب السلسلة، فكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوماً.
قلت: وفي هذه المدة اليسيرة لا تستقل بما فعله من الإنتقام والجور وسفك الدماء، فأتعب نفسه ومهد لغيره، فانظر إلى هذه الدنيا وما تفعل بمحبيها.
وكان، عفا الله عنه، ملكاً عارفاً، فطناً، عفيفاً عن المنكرات، مائلاً إلى العدل، يحب الفقهاء وأهل العلم ويجلهم، ويذاكر بالفقه، ويشارك فيه، وله فهم وذوق في البحث، وكان بارعاً في حفظ الشعر باللغة التركية، عارفاً بمعانيه ودقائقه، وعنده إقدام وجرأة وكرم مفرط، مع طبش وخفة، وكان يميل إلى أبناء جنسه الجراكسة في الباطن دون غيرهم من الأجناس.