وكمل شرح أبيه لها، ولما مات أبوه اجتمع رأي كثير من فقهاء السادة الحنفية على أن يكون قاضيهم، وطلبوا ذلك من الأمير شيخو فأجابهم لذلك فاستدعاه وقد أتقن أمره مع أمراء الدولة، وكلم الملك الناصر حسن في ذلك، فأرسل يطلبه، وأخلع عليه في المحرم سنة خمسين وسبعمائة، فنزل إلى المدرسة الصالحية على العادة وسكنها بعياله مدة حياته، وحسنت سيرته، فلما قدم قاضي القضاة زين الدين عمر بن البسطامي من الحج ترك له قاضي القضاة جمال الدين هذا التدريس بالجامع الطولوني من تلقاء نفسه، فازداد الناس له حباً، ثم تزوج بصالحة بنت قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة، واعتضد به، فصار القضاة الثلاثة النفي والشافعي وموفق الدين الحنبلي شيئاً واحداً، وكلمتهم متفقة، فباشر المذكور القضاء بحشمة ورئاسة، وتصدى للإفتاء والتدريس والإقراء مدة طويلة من حياة والده إلى أن مات، وأكثر من الأفضال على طائفة الفقهاء، فكان يعود على فقيرهم بما يقيم به حاله، ويكرم غنيهم، ويجاوز عن مسيئهم، ويدعوهم إلى الاجتماع على طعامه، هـ مع الكرم والوجاهة العظيمة، والحرمة الزائدة عند أرباب الدولة، والمعرفة التامة بالأحاكم، وحسن السير، والعفة والتواضع، والشدة على أرباب الشوكة من الأمراء والوزراء ونحوهم، وعدم الترداد إليهم.
قال المقريزي بعد أن أثنى عليه: حتى صارت محبته ديانة، ورويته عبادة، لما اجتمع فيه من خلال الخير وصفات الكمال، فتراه متواضعاً مع الفقراء، مكرماً للفقهاء وأرباب الفضائل، انتهى كلام المقريزي باختصار.