بعد ما حج، وولي قضاءها في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة فدام في المنصب نحواً من سنتين وثمانية أشهر وعزل، وقدم دمشق ثانياً، وصحب والدي رحمه الله ولزمه، وتوجه إلى القدس وتولى قضاءها مدة، ثم صرف، وقدم القاهرة سنة خمس عشرة وثمانمائة وسكنها إلى أن بنى الملك المؤيد شيخ جامعه بخط باب زويلة جعله مدرس الحنابلة بالجامع المذكور في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، فاستمر في التدريس إلى سابع عشر سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة خلع عليه باستقراره قاضي القضاة الحنابلة بدمشق، فتوجه إلى دمشق وباشر القضاء بها إلى نصف جمادى الآخرة من سنة أربع وعشرين وثمانمائة صرف، وقدم القاهرة ودام بها إلى أن خلع عليه بقضاء قضاة الحنابلة بالديار المصرية، عوضاً عن قاضي القضاة محب الدين أحمد ابن نصر الله البغدادي في يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثمانمائة، فباشر القضاء بعفة وتواضع زائد إلى الغاية حتى إنه كان يمشي في الأسواق على قدميه ويتعاطى حوائجه من الحوانيت بنفسه، وكان في الغلاب يأتيني ماشياً من المدرسة الصالحية إلى منزلي، وصار يظهر الناس من الجودة وسلامة الباطن والتواضع ويمعن في ذلك، فعند ذلك تكلم أرباب الدولة في عود قاضي القضاة محب الدين إلى المنصب، وطلبه السلطان وأخلع عليه باستقراره