(فمن اضْطرَّ) :
راجع إلى المحرمات المذكورة قَبْلَ هذا: أباحها اللَّهُ عند الاضطرار.
(فاغْسِلوا وجوهَكم وأَيدِيَكُمْ إلى المرافق) :
ذكر الله في هذه الآية صفةَ الوضوء، وذكر فيها أربعة أعضاء: اثنان محدودان وهما اليدان والرجلان، واثنان غير محدودَيْن وهما الوجه والرأس.
فأما الحدودان فتغسل اليدان إلى المرفقين، والرِّجلان إلى الكعبين وجوباً بإجماع، فإنَّ ذلك الحد هو الذي جعل الله لهما.
واختلف هل يجب غسل المرفقين مع اليدين وغسل الرجلين مع الكعبين أم
لا، وذلك مبني على معنى إلى، فمن جعل إلى بمعنى مع في قوله: (إلى المرافق)
و (إلى الكعبين) - أوجب غسلهما، ومن جعلها بمعنى الغاية لم يوجب غَسْلهما.
واختلف في الكعبين: هل هما اللذان عند معقد الشِّراك لذكرهما بلفظ
الجمع، كما ذكر المرافق، لأنه على ذلك في كل رجل كعب واحد.
وأما غير المحدودين فاتّفق على وجوب إيعاب الوَجه، وحَدّه طولا مِنْ أَوَّل
منابت الشعر إلى آخر الذقن واللحية، وحدّه عَرْضاً من الأذن إلى الأذن.
وقيل من العِذار إلى العِذَار.
وأما الرأس فمذهب مالك وجوب إيعابه كالوجه.
ومذهب كثير من العلماء جواز الاقتصار على بعضه، لما روي في الحديث أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على ناصيته، ولكنهم اختلفوا في القَدْرِ الذي يجزئ على أقوال كثيرة.
وسِرّ الأمر في غسْل هذه الأعضاء في الوضوء أن الله أكرم هذه الأمة في
الجنة بالخواتم والخلاخل والأسورة والتِّيجان والنظر إلى الله، فأمرهم بغسل هذه الأعضاء، ليطهرهم من الذنوب الواقعة منها، فيلقوه ولا ذَنْب عليهم، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " إني لأعرف أمتي يومِ القيامة، لأنهم غرّ محجلون من آثار الوضوء ".
فلا يحافظ عليه إلا مؤمن، لأن مفتاحَ الجنّة لا إله إلا الله، ومفتاح الصلاة