مالك جميع المخلوقين.
وفي الأنعام والكهف وسبأ وفاطر لم يوصَف بذلك، بل
بفرد من أفراد صفاته وهو خلقُ السماوات والأرض، والظلمات والنور في
الأنعام، وإنزال الكتاب في الكهف، ومالك ما في السماوات وما في الأرض في سبأ، وخلقهما في فاطر، لأن الفاتحةَ أمّ القرآن ومطلعه، فناسب الإتيان فيها بأبلغ الصفات وأعمها وأشملها.
قال الأستاذ ابن الزبير: وأما مناسبة الوصف الوارد في سورة الأنعام فمن
حيث ما وقع فيها من الإشارة إلى مَنْ عبد الأنوار، وأعاد سبحانه ذكر ما فيه
الدلالة البينة على بُطلان مذهب مَنْ عَبد النَّيِّرات أو شيئاً منها في قوله تعالى:
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الآية.
فقال: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا) .
ثم قال عليه السلام على جهة الفَرْض وإقامة الحجة على قومه: " هذا رَبّي " فلما أفل قال: لا أحِبُّ الآفلين.
ثم قال في الشمس والقمر مستدلاّ بتغيُّرهما وتقلبهما في الطلوع
والغروب على أنهما حادثين مربوبين مسخرين طالعين لموجدِهما المنَزّه عن سمات التغير والحدوث، فقال عليه السلام عند ذلك لقومه: (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) .
فأخبر عن حاله قبل هذا الاعتبار وبعده.
قال تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا) .
وفي طيّ قوله: وما كان من المشركين تنزيهه عن عبادة النيرات وغيرها مما
سواه تعالى، وبانَ من هذا كله ما افتتحت به السورة من انفراده تعالى بخلق
السماوات والأرض، والظلمات والنور، فوضح التلازمُ والتناسب.
وأما سورة الكهف فإنها لما انطوت على التعريف بقصة أهل الكهف، ولقاء
موسى عليه السلام والخضر، وما كان من أمرهما، وذكر الرجل الطّواف وبلوغه مطلع الشمس ومغربها، وبنيانه سدَّ يَأجُوج ومأجوج، وكل هذا إخبار بما لا مجال للعقل فيه، ولا تُعْرَف حقيقته إلا بالوحي والإنباء بالصدق الذي لا عِوَج فيه ولا امْتِراءَ ولا زيْغ - ناسب ذكر افتتاح السورة المعرّفة بذلك بالوحي