للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَكَانَتِهم) : مكانهم.

والمعنى لو نشاء لمسخناهم مَسْخاً يقعدهم في مكانهم، فلا يقدرون على الذهاب ولا على الرجوع.

(مَنْ نعَمِّرْه ننَكسْه في الخَلْق) .

أي نحوّل خلقته من القوة إلى الضعف، ومن الفهم إلى البله، ومن الشباب إلى الهرم، وشِبْه ذلك، كما قال تعالى: (ثم جعل مِنْ قوّةٍ ضَعْفاً وشَيْبَة) .

واختلف في حد التعمير الذي يصل الإنسان فيه إلى هذا.

والصحيح أنَّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وقد قدمنا الحديث:

"مَنْ صدق في صغره حفظه الله في كبره".

فالذي تراه صادقَ اللهجة يحفظه في كبره من ذهاب عقله.

ومقصود الآية الاستدلال على قدرة الله - في مشاهدتهم - على تنكيس الإنسان إذا هرم فالذي يقدر على هذا يقدر على مسخكم لولا رحمته بكم، ولذلك ختم الآية بالعقل الذي هو أسّ الأمور.

(ما عَلَّمْنَاه الشِّعْرَ وما ينْبَغِي لَه) .

هذه الضمائر راجعةٌ لنبيِّنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم قالوا له شاعر، فرد الله عليهم بهذه الآية، واعجبا

منهم! وهم يرونه لا يزن شعراً ولا يذكره، وإذا ذَكَر بيتاً منه كسره، ويقولون فيه شاعر! تَبًّا لهم!

فإن قلت: قد تكلّم بكلام على وزْن الشعر، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: هل أنت إلا أصبع دميت. وفي سبيل الله ما لقيت.

وقال: أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد الطلب.

فالجواب أن هذا ليس بشعر، ولم يقصده، وإنما جاء بالاتفاق لا بالقصد.

كالكلام المنثور.

ومثل هذا يقال فيما جاء في القرآن من الكلام الموزون الذي

تحدَّاهم الله بسورة منه فلم يقدروا، مع أنهم طبعوا على الفصاحة والشعر، فهو من أعظم المعجزات.

كأنه قال لهم: إن قلتم فيه إنه شاعر فأتوا بشعر مثله، مع أنه

ليس بشعر، ولا ينبغي له الشعر لصدقه وأمانته، (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>