والي القاهرة عمر بن سيفا، فلما مثل عمر بين يديه، وهو جالس على فرسه وبين يديه خواصه وفيهم العفيف الرئيس المذكور، أمره أن يأخذ العفيف؛ ليوسطه من ساعته بالقلعة، وحرضه على ذلك، فأقامه عمر في الوقت ليمضي به، وإذا بخضر الحكيم قد حضر، فأمره بتوسيط خضر الآخر؛ فأخذه عمر من ساعته، وهو يصيح عمر حكيم وسطوه إيش في يد الحكيم ما يعمل؟ فلم يسمع له عمر، وأخذه هو والعفيف ومضى بهما إلى حدرة الساقية من القلعة، ووقف بهما مقدار ما يشفع فيهما، وقام أهل المجلس يقبلون الأرض، ومنهم من يقبل رجل السلطان، ويتضرعون إليه في العفو عنهما، فلم يقبل، ثم بعث واحداً بعد آخر يستعجل عمر الوالي في توسيطهما، وهو يتباطئ؛ رجاء أن يقع العفو عنهما.
فلما طال الأمر بعث السلطان من أعوانه من يحضر توسيطهما، فخرج المذكور، وأغلظ للوالي في القول، فقدم العفيف؛ فاستسلم، وثبت حتى صار قطعتين، وقدم خضر، فراغ، وجزع جزعاً شديداً، ودافع عن نفسه، وصاح؛ فتكاثروا عليه، ووسطوه توسيطاً معذباً؛ لتلويه واضطرابه، فساءت القالة في السلطان، وكثر كلام الناس في ذلك.