وأما البينة؛ فقد تكلم بهذا بين يدي القضاة في اليوم المذكور خلائق من أعيان الأمراء وغيرهم، وأي بينة تكون أعظم من ذلك. وأما شغور الخلافة فلا يلزم؛ فقد يمكن الخلع والتولية في ساعة واحدة. انتهى.
قلت: واستمر المعتضد في الخلافة دهراً، وطالت أيامه، وتسلطن في خلافته عدة سلاطين.
وكان خليقاً للخلافة، سيد بني العباس في زمانه.
وكان أهلاً للخلافة بلا مدافعة، كريماً، عاقلاً، سيوساً، ديناً، حلو المحاضرة، كثير الصدقات والبر للفقراء، وكان يحب طلبة العلم، ويكرمهم، ويحاضرهم كثيراً.
وكان جيد الفهم، ذكياً، ويميل إلى الأدب وأهله. وكان يجتهد في السير على طريقة الخلفاء ممن قبله مع جلسائه وندمائه، فيضعف موجوده عن إدراك ما يرومه، وربما كان يتحمل بسبب هذا المعنى دينا، وذلك لعلو همته مع قلة متحصله لأن متحصل إقطاعه في السنة دون الأربعة آلاف دينار. وجميع ما كان يتكلفه لنفسه ولحواشيه ولمماليكه من النفقات والجوامك، والكلف، والمترددين، وغير ذلك كله من هذا الإقطاع لا غير. هذا وهو خليفة الوقت، ومتحصله هذا النزر الهين.