انتهت إليه رئاسة السادة الحنفية في زمانه شرقاً وغرباً، بلا مدافعة. هذا مع الديانة، والصيانة، وكثرة الحفظ لمختصرات مذهبه، بل وللمطولات أيضاً، ولمتون الحديث.
وأما استحضاره لتفسير القرآن العزيز؛ فغاية لا تدرك.
وبالجملة هو الآن المعمول بفتواه، والمرجع إلى قوله، وبه يقتدي كل إمام مفنن.
هذا مع ملازمته للاشتغال والأشغال، وتصدّيه للإقراء، وانتفاع الطلبة. واستمر على ذلك إلى يوم الاثنين ثالث عشر المحرم سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، استدعاه الأتابك جقمق العلائي وهو يومئذٍ مدبر المملكة العزيزية يوسف بن الملك الأشرف برسباي، وفوض إليه قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية، بعد أن صرف قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي بعد امتناع قاضي القضاة سعد الدين هذا من قبول الوظيفة، امتناعاً زائداً. وألح الأتابك جقمق والملك العزيز يوسف في السؤال عليه، وهو لا يقبل؛ فألزماه بالقبول، فاشترط عليهما وعلى أهل الدولة شروطاً كثيراً.
كل ذلك وهم راضون بما يقوله حتى أذعن وقبل؛ فأخلع عليه ونزل إلى داره بالمدرسة المؤيدية داخل باب زويلة، فسر الناس بولايته إلى الغاية. فباشر وظيفة القضاء على أجمل سيرة وأحمد طريقة مع رياضة الخلق والتعفف عما يرمي به قضاة السوء.