قلت: ونشأ المذكور بدمشق بخدمة القاضي بدر الدين محمد بن موسى ابن محمد بن الشهاب محمود - كاتب سر دمشق المعروف بابن الشهاب محمود، ثم اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ المحمودي - قبل أن يتسلطن وهو يومئذ نائب الشام - ولا زال في ركابه حتى قدم معه إلى الديار المصرية بعد قتل الملك الناصر فرج بن برقوق وسلطته الخليفة المستعين بالله العباس في سنة خمس عشرة وثمانمائة، واستمر عنده إلى أن تسلطن الأمير شيخ المحمودي المذكور ولقب بالملك المؤيد، قربه وأدناه ورقاء حتى صار ناظر الخزانة الشريفة وكاتبها.
وكان لما قدم إلى القاهرة سكن بجورانا بالبندقيين، وتنقل في عدة أماكن إلى أن سألنا أن يسكن في دار لنا بالحارة فأجبناه إلى ذلك، وسكن بها سنين إلى أن اشترى بيت تنكز وعمره تجديداً، وانتقل إليه، وشرع في عمارة مدرسته التي تجاه داره المذكورة، وكلها في أواخر سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة.
ولما ولاه الملك المؤيد نظر الخزانة استقلها في نفسه، ولم يسعه طلب وظيفة أعظم منها لوجود من هو أعظم منه من جماعة الملك المؤيد، ولبعده عن العلوم والمباشرة، فأخذ هو يسير على قاعدة عظماء الدولة في الحشم والخدم والمماليك من سائر الأجناس والندماء والأصحاب، ونزل الملك المؤيد إليه بدارنا غير مرة.