فاستمر أرغون شاه مقبوضاً عليه إلى تاسع عشرين شوال تسلمه ابن بوالي ليستخلص منه ستين ألف دينار، فنزل أرغون شاه مع أعوان والي القاهرة حَتَّى دخل إلى داره التي كان يسكنها في أيام عمله، وقد سكن بها ابن بوالي، فعندما دخل الدار بكى وكان في بلائه هذا أعظم عبرة، وذلك أن ابن بوالي هذا كان في ابتداء أمره من جملة الأجناد بخدمة الأمير أرغون شاه المذكور لما كان استاداراً لأستاذه الأمير نوروز بدمشق، ثم أنه كان في أمسه يأتي إلى باب داره التي سكنها الآن ويقعد عَلَى الباب حَتَّى يستأذن له، فيأذن له أرغون شاه فيدخل ابن بوالي ويقف على قدميه بخدمة الأمير أرغون شاه، وها هو اليوم يحكم فيه ويتولى عقوبته، بل وعاقبه بحضرة الملأ من العامة، فنعوذ بالله من زوال النعم.
ثم إن الحال انتهى عَلَى أن يقوم أرغون شاه بمبلغ عشرة آلاف دينار، ويمهل بمبلغ عشرين ألف دينار مدة، وأفرج عنه واستمر بالقاهرة بطالا إلى يوم الخميس رابع شهر رمضان سنة سبع وعشرين وثمانمائة، أخرج هو وابن بوالي إلى دمشق، وكان ابن بوالي قد عزل عن الاستادارية بالأمير صلاح الدين محمد بن نصر الله، فدام أرغون شاه مخمولاً بدمشق دهراً، ثم استقر في استادارية السلطان بِهَا إلى أن مات في حادي عشرين شهر رجب سنة أربعين وثمانمائة وكان شيخاً أعوراً، طوالا سميناً بطيناً، شكلا مهولاً، ظالماً عسوفاً، قليل الخير، كثير الشر، يخترع الظلم، سيئة من سيئات الدهر، فلله الحمد والمنة عَلَى موته وموت أمثاله من الظلمة.