للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال فيه الذهبي في الميزان (٤/ ٤٢٩): "تابعي، حمصي، لا يكاد يعرف، وُثِّق، روى عنه: حريز بن عثمان"، وقال فيه في المغني (٢/ ٧٥٠): "تابعي، حمصي، نكرة".

فإن قيل: قال أبو داود: "شيوخ حريز كلهم: ثقات" [نقله عنه الآجري]، فيقال: هذا نظير إطلاقات الأئمة التي يشذ منها بعض أفرادها، مثل قول أحمد: "كل من روى عنه مالك فهو: ثقة"، ومع ذلك فقد تكلِّم في بعض من روى عنه مالك، مثل: عبد الكريم بن أبي المخارق، وعاصم بن عبيد الله, وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، وشريك بن أبي نمر، وغيرهم.

ومثل قول ابن المديني: "كل مدني لم يحدث عنه مالك ففي حديثه شيء"، قال ابن رجب: "وهذا على إطلاقه فيه نظر؛ فإن مالكًا لم يحدث عن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة جليل متفق عليه" [انظر: شرح علل الترمذي (٢/ ٨٧٦)].

ولهذه الإطلاقات نظائر كثيرة جدًّا، اقتصرت على مثالين منها فقط، أحببت أن أنبه بها على أن قول أبي داود المتقدم لا يعني أن حريزًا لم يحدث قط عن رجل ضعيف أو مجهول؛ فإنه لا يبعد أن أبا داود حين قال هذا قد ذهل عن بعض شيوخ حريز من المجاهيل الذين ليس لهم إلا الحديث أو الحديثين، كما هو الحال هنا، فإذا انضم إلى ذلك: أن يزيد بن صليح قد تُكُلِّم فيه، فهذا مما يقوي هذا المعنى المراد، وهو استثناؤه من هذه القاعدة التي أطلقها أبو داود، فقد سأل البرقانيُّ أبا الحسن الدارقطني عن يزيد بن صليح؟ فقال: "حمصي، لا يعتبر به" [سؤالات البرقاني (٥٤٩)]. فإذا علمنا أنه قال فيه ذلك مع قلة روايته جدًّا، كان ذلك تضعيفًا لمروياته، وأنه لم يوافق فيها الثقات، وهذا هو حديثه الذي اشتهر به، بل وانفرد به، ولم يتابع فيه على أن الذي كلأهم في هذه الليلة هو ذو مخبر، ولا أن بلالًا هو صاحب الميضأة، ولا حتى على هذا السياق في سرد أحداث هذه الواقعة.

فإن قيل: إنها واقعة مستقلة عن تلك التي رواها أبو قتادة وغيره، فيقال: إذًا نحتاج لشاهد صدق على أنه حفظ هذا الحديث الذي انفرد به مع جهالته، والذي لم يعد شاهدًا لغيره.

فإن قيل: يشهد له ما رواه:

قيس بن حفص الدارمي: ثنا مسلمة بن علقمة المازني: ثنا داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم: ثنا ذو مخمر -ابن أخي النجاشي- قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فسَرَوْا من الليل ما سروا، ثم نزلوا، فأتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا ذا مخمر! " قلت: لبيك رسول الله وسعديك! فأخذ برأس ناقتي، وقال: "اقعد ها هنا، ولا تكونن لكاعًا الليلة" فأخذت برأس الناقة، فغلبتني عيناي فنمت، وانسلَّت الناقة فذهبت، فلم أستيقظ إلا بحرِّ الشمس، فأتاني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا ذا مخمر! " قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: "كنتَ -والله! - الليلة لكع؛ كما قلت" فتنحينا عن ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>