للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)) (١).

ثانياً: القياس:

وذلك أن شهر رمضان كصلوات اليوم والليلة ولا بد لكل صلاة من نية فكذلك لا بد لكل يوم في صومه من نية.

القول الثاني: أَنَّ ما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله، فإذا انقطع التتابع لعذر يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فإنَّ عليه أن يجدد النية، وهو مذهب المالكية (٢)، وقول زفر من الحنفية (٣)، واختاره ابن عثيمين (٤).

وذلك لأن الصوم المتتابع كالعبادة الواحدة من حيث ارتباط بعضها ببعض وعدم جواز التفريق، ولذا تكفي النية الواحدة.

كما أنَّ النية إذا لم تقع في كل ليلة حقيقة، فهي واقعة حكماً؛ لأن الأصل عدم قطع النية.

الفرع الثاني: وقت النية في صوم النفل

المسألة الأولى: حكم تبييت النية من الليل في صيام التطوع

لا يشترط في صيام التطوع تبييت النية من الليل عند جمهور أهل العلم من الحنفية (٥) والشافعية (٦) والحنابلة (٧).

ويجوز أن ينوي أثناء النهار، سواء قبل الزوال أو بعده، إذا لم يتناول شيئاً من المفطرات بعد الفجر (٨)، وهذا مذهب الحنابلة (٩)، وقولٌ عند الشافعية (١٠)، وقول طائفة من السلف (١١) واختاره ابن تيمية (١٢)، وابن عثيمين (١٣).

الأدلة:

١ - عموم حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث قالت: ((دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم (١٤).

٢ - ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومنهم أبو الدرداء، فعن أم الدرداء قالت: ((كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائمٌ يومي هذا)) (١٥). وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة رضي الله تعالى عنهم (١٦).

المسألة الثانية: من أنشأ نية الصوم أثناء النهار فهل يكتب له ثواب صيام يوم كامل؟

من أنشأ نية الصوم أثناء النهار، فإنه يكتب له ثواب ما صامه من حين نوى الصيام، وهذا مذهب الحنابلة (١٧)، وهو اختيار ابن تيمية (١٨)، وابن باز (١٩)، وابن عثيمين (٢٠).

الدليل:

عموم حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) أخرجه البخاري ومسلم (٢١).

وجه الدلالة:

أن الإمساك كان في أول النهار بغير نية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فكيف يثاب على إمساك لم يقصده ولم ينوه؟ وإنما يثاب فيما ابتغى به وجه الله تعالى.


(١) رواه النسائي (٤/ ١٩٧)، والبيهقي (٤/ ٢٠٢) (٨١٦٣). وصحح إسناده ابن حزم في ((المحلى)) (٦/ ١٦٢)، وقال عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٣٨٤): رواه الجماعة فأوقفوه على حفصة والذي أسنده ثقة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)).
(٢) ((الشرح الكبير للدردير)) (١/ ٥٢١).
(٣) ((المبسوط للسرخسي)) (٣/ ٥٦).
(٤) ((الشرح الممتع)) (٦/ ٣٥٦).
(٥) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (١/ ٣١٣).
(٦) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٠٢).
(٧) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ١٠)، ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢١١).
(٨) وذلك أنه لما كان الليل محلاً للنية في صوم الفريضة، واستوى حكم جميعه، ثم كان النهار محلاً للنية في صوم التطوع، وجب أن يستوي حكم جميعه. وكذلك فإن النية وجدت في جزءٍ من النهار، فأشبه ما لو وُجِدَت قبل الزوال بلحظة.
(٩) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ١٠)، ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢١١).
(١٠) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (٣/ ٤٠٦)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٩٢).
(١١) قال ابن عبدالبر: (وهو قول الثوري وإبراهيم والحسن بن صالح) ((الاستذكار)) (١٠/ ٣٥).
(١٢) قال ابن تيمية: (والأظهر صحته - أي الصوم بنية التطوع بعد الزوال - كما نقل عن الصحابة) ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ١٢٠).
(١٣) ((الشرح الممتع)) (٦/ ٣٥٨ - ٣٥٩)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (١٩/ ١٨٥ - ١٨٦).
(١٤) رواه مسلم (١١٥٤).
(١٥) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (١٩٢٤)، ووصله البيهقي (٤/ ٢٠٤) (٨١٧٣). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (٣/ ١٤٤ - ١٤٥).
(١٦) رواها عنهم البخاري بصيغة التعليق قبل حديث (١٩٢٤)، ووصلها البيهقي (٤/ ٢٠٤) (٨١٧١) (٨١٧٢) (٨١٧٣) (٨١٧٤)، وعبدالرزاق (٤/ ٢٧٣) (٧٧٧٨)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (٢/ ٥٦). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (٣/ ١٤٥ - ١٤٧).
(١٧) ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢١١).
(١٨) ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (١/ ١٩٣ - ١٩٤).
(١٩) قال ابن باز: ( ... يجوز له أن يصوم من أثناء النهار، إذا كان لم يتعاط شيئا من المفطرات بعد طلوع الفجر، ويكتب له أجر الصائم من حين نيته) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٥/ ٢٨٨).
(٢٠) ((الشرح الممتع)) (٦/ ٣٦٠)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (١٩/ ١٨٥ - ١٨٦).
(٢١) رواه البخاري (١) واللفظ له، ومسلم (١٩٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>