للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثامن: رمي الجمار في الليل]

يجوز الرمي ليلاً لمن لم يرم نهاراً، فيمتد وقت جواز رمي كل يوم إلى فجر اليوم التالي، وهذا مذهب الحنفية (١)، وهو وجهٌ للشافعية (٢)،واختاره ابن المنذر (٣)، والنووي (٤)، وابن باز (٥)، وابن عثيمين (٦).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

١ - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسأل يوم النحر بمنى، فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ فقال: اذبح ولا حرج، وقال: رميت بعدما أمسيت؟ فقال: لا حرج)) (٧).

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم صرّح بأن مَنْ رمى بعدما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يطلق لغة على ما بعد وقت الظهر إلى الليل، وخصوص سببه بالنهار لا عبرة به؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ولفظ المساء عام لجزء من النهار، وجزء من الليل (٨).

٢ - عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أيام منى؟ فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال: لا حرج، فقال رجل: رميت بعدما أمسيت؟ قال: لا حرج)) (٩).

وجه الدلالة:

أن قوله في هذا الحديث الصحيح: أيام منى بصيغة الجمع صادق بأكثر من يوم واحد، فهو صادق بحسب وضع اللغة، ببعض أيام التشريق، والسؤال عن الرمي بعد المساء فيها لا ينصرف إلا إلى الليل، لأن الرمي فيها لا يكون إلا بعد الزوال، وهو معلوم، فلا يسأل عنه صحابي، فتعين أن يكون السؤال عن الرمي في الليل (١٠).

ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:

١ - عن نافع مولى ابن عمر: ((أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نفست بالمزدلفة، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا من بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبدالله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئاً)) (١١).

وجه الدلالة:

أن ابن عمر رضي الله عنهما أمر زوجته صفية بنت أبي عبيد وابنة أخيها برمي الجمرة بعد الغروب، ورأى أنه لا شيء عليهما في ذلك، وذلك يدل على أنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم: أن الرمي ليلاً جائز (١٢).

٢ - عن ابن جريج عن عمرو قال: ((أخبرني من رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ترمي غربت الشمس أو لم تغرب)) (١٣)

ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّت أول الرمي وسكت عن آخره، والأصل بقاء الوقت، وليس هناك سنة تدل على أنه إذا غابت الشمس انتهى وقت الرمي، والليل يمكن أن يكون تابعاً للنهار كما في وقوف عرفة (١٤).

رابعاً: أنه إذا رخص في رميها في اليوم الثاني فالرمي بالليل أولى (١٥).


(١) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (٢/ ٣٥، ٦٢)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٣٧).
(٢) ((المجموع)) للنووي (٨/ ٢٣٩)، ((روضة الطالبين)) للنووي (٣/ ١٠٧).
(٣) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٨٢).
(٤) ((المجموع)) النووي (٨/ ٢٣٩).
(٥) قال ابن باز: (لم يثبت دليلٌ على منع الرمي ليلاً، والأصل جوازه، والأفضل الرمي نهاراً في يوم العيد كله وبعد الزوال في الأيام الثلاثة إذا تيسر ذلك، والرمي في الليل إنما يصح عن اليوم الذي غربت شمسه، ولا يجزئ عن اليوم الذي بعده، فمن فاته الرمي نهار العيد رمى ليلة إحدى عشرة على آخر الليل، ومن فاته الرمي قبل غروب الشمس في اليوم الحادي عشر رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثاني عشر، ومن فاته الرمي في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثالث عشر، ومن فاته الرمي نهاراً في اليوم الثالث عشر حتى غابت الشمس فاته الرمي ووجب عليه دم؛ لأن وقت الرمي كله يخرج بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٦/ ١٤٤).
(٦) قال ابن عثيمين: (الذي أرى أن القول بأنه يمتد إلى الفجر أقرب إلى الصواب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٣/ ٢٨٩ - ٢٩١).
(٧) رواه البخاري (١٧٣٥)، بلفظه، ومسلم (١٣٠٧).
(٨) قال الفيومي: (المساء إلى آخر نصف الليل. وقال ابن القوطية: المساء ما بين الظهر إلى المغرب) ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (مادة: ص ب ح، مادة: م س و). وقال ابن منظور: (المَساء بعذ الظهر إِلى صلاة المغرب وقال بعضهم: إِلى نصف الليل) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: مسا). وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (٣/ ٥٦٩)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٥/ ٢٨٢)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥/ ٣٢،٣٣)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٣/ ٢٨٥).
(٩) رواه البخاري (١٧٣٥)
(١٠) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٥/ ٢٨٤)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥/ ٣٣).
(١١) رواه مالك في ((الموطأ)) (٣/ ٦٠٠)
(١٢) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٥/ ٢٨٥).
(١٣) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٤/ ٣٠)
(١٤) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٣/ ٢٢٩،٢٨٥، ٢٨٨).
(١٥) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>