للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: ليلة القدر]

أ- تعريف ليلة القدر، وإثبات وجودها

· تعريف ليلة القدر

ليلة القدر مركبة من كلمتين:

الأولى: ليلة وهي لغة: ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ويقابلها النهار. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي لها عن المعنى اللغوي.

والثانية: القدر، ومعناه لغة: الشرف والوقار، ومن معانيه أيضاً: الحكم والقضاء والتضييق.

واختلف العلماء في المراد به على عدة أقوال منها:

- التعظيم والتشريف، ومنه قوله تعالى: وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:٩١]

والمعنى: أنها ليلة ذات قدر وشرف؛ لنزول القرآن فيها، وغير ذلك، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وشرف.

- التضييق ومنه قوله تعالى: وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:٧].

ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة.

- القدْر بمعنى القدَر - بفتح الدال - بمعنى الحكم والفصل والقضاء، قال العلماء: سميت ليلة القدر بذلك لما تكتب فيها الملائكة من الأرزاق والآجال وغير ذلك مما سيقع في هذه السنة بأمرٍ من الله سبحانه لهم بذلك، ويدل عليه قول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (١) [الدخان: ٣ - ٥].

· هل ليلة القدر موجودة أم رفعت؟

ليلة القدر موجودةٌ لم ترفع، بل هي باقية إلى يوم القيامة، وهذا مذهب عامة أهل العلم (٢).

الأدلة:

الأحاديث الكثيرة التي تحث المسلم على طلبها والاجتهاد في إدراكها، ومنها:

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم (٣).

- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)). أخرجه البخاري ومسلم (٤).

ب- فضل ليلة القدر وقيامها

· فضل ليلة القدر

- أنزل فيها القرآن:

قال تعالى: إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: ١].

- يقدر الله فيها كل ما هو كائنٌ في السنة:

قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان: ٤، ٥].

وهو تقديرٌ ثانٍ، إذ إن الله قدر كل شيء قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة.

ففي تلك الليلة يقدر الله مقادير الخلائق على مدار العام، ويكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والعزيز والذليل، وكل ما أراده الله سبحانه وتعالى في السنة المقبلة، يُكتَبُ في ليلة القدر هذه. (٥)

- أنها ليلة مباركة:

قال تعالى إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان: ٣].

- العبادة فيها تفضل العبادة في ألف شهر:

قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: ٣].


(١) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (٣٥/ ٣٦٠) بتصرف.
(٢) قال النووي: (قال القاضي: وشذ قوم فقالوا: رفعت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم حين تلاحا الرجلان: (فرفعت). وهذا غلط من هؤلاء الشاذين؛ لأن آخر الحديث يرد عليهم فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في السبع والتسع) هكذا هو في أول صحيح البخاري، وفيه تصريحٌ بأن المراد برفعها: رفع بيان علم عينها، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها) ((شرح مسلم)) (٨/ ٥٨).
(٣) رواه البخاري (٢٠١٤)، ومسلم (٧٦٠).
(٤) رواه البخاري (٢٠١٧)، ومسلم (١١٦٩).
(٥) انظر: ((تفسير الطبري)) (١٦/ ٤٨٠)، و ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٤٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>