للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: طروء الحيض والنفاس]

طروء الحيض أو النفاس على المعتكفة يحرِّم عليها اللبث في المسجد، فينقطع بذلك اعتكافها مؤقتاً، ولا يبطله، فإذا طهرت فإنها ترجع إلى المسجد الذي كانت تعتكف فيه وتبني على ما مضى من اعتكافها، وهذا قول جمهور العلماء من المالكية (١)، والشافعية (٢)، والحنابلة (٣)، (٤)، وقد حكى ابن قدامة الإجماع على تحريم مكثها في المسجد (٥)

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: ٤٣]

وجه الدلالة:

أنه إذا وجب على الجنب ألا يقرب المسجد حتى يغتسل، فالحائض والنفساء أولى منه بذلك؛ لأن الحيض والنفاس لا يمكن رفعهما، فهما أولى بالمنع.

ثانياً: من السنة:

١ - عن أم عطية قالت ((أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين)). أخرجه البخاري ومسلم (٦)

٢ - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: فقلت إني حائض. فقال: إن حيضتك ليست في يدك)). أخرجه مسلم (٧)


(١) قال ابن عبد البر: (والمرض والحيض إذا طرأ على المعتكف بنى على اعتكافه ساعة يصح المريض وتطهر الحائض ويرجع كل واحد منهما إلى مسجده ساعتئذٍ في ليلٍ أو نهار) ((الكافي)) (١/ ٣٥٤)، وانظر ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (١/ ٤٥)، و ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص٣١، ٨٥).
(٢) قال النووي: (قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمها الخروج من المسجد وإذا خرجت سكنت في بيتها كما كانت قبل الاعتكاف حتى ينقطع حيضها ثم تعود إلى اعتكافها) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٥٢٠)، وقال أيضا: (قال الشافعي في البويطي إذا حاضت المعتكفة خرجت فإذا طهرت رجعت وبنت هكذا نص عليه ونقله عن نصه في البويطي القاضى أبو الطيب وغيره. وقال أصحابنا إذا حاضت في اعتكافها لزمها الخروج من المسجد فإذا خرجت وطهرت فإن كان اعتكافها تطوعاً وأرادت البناء عليه بنت. وإن كان نذرا غير متتابع بنت. وإن كان متتابعاً فإن كان مدة لا يمكن حفظها من الحيض غالباً بأن كان أكثر من خمسة عشر يوماٍ لم يبطل التتابع بل تبني عليه بلا خلاف. وإن كانت مدة يمكن حفظها من الحيض كخمسة عشر فما دونها فطريقان: أحدهما: ينقطع وبهذا جزم المصنف وطائفة .. والأصح الانقطاع) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٥١٩)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (١/ ٤٥٤، ٤٥٥).
(٣) قال المرداوي: (تخرج المرأة للحيض والنفاس إلى بيتها إن لم يكن للمسجد رحبة، فإذا طهرت رجعت إلى المسجد وإن كان له رحبةٌ يمكن ضرب خبائها فيها بلا ضرر فعلت ذلك فإذا طهرت رجعت إلى المسجد) ((الإنصاف للمرادوي)) (٣/ ٢٦٥)، وانظر ((كشاف القناع للبهوتي)) (٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨).
(٤) قال ابن تيمية: (الاعتكاف يستحب له طهارة الحدث ولا يجب، فلو قعد المعتكف وهو محدثٌ في المسجد لم يحرم بخلاف ما إذا كان جنباً أو حائضاً فإن هذا يمنعه منه الجمهور كمنعهم الجنب والحائض من اللبث في المسجد لا لأن ذلك يبطل الاعتكاف) ((مجموع الفتاوى)) (٢١/ ٢٧٥).
(٥) قال ابن قدامة: (أما خروجها من المسجد فلا خلاف فيه لأن الحيض حدثٌ يمنع اللبث في المسجد فهو كالجنابة وآكد منه) ((المغني)) (٣/ ٧٩).
(٦) رواه البخاري (٣٢٤)، ومسلم (٨٩٠) واللفظ له.
(٧) رواه مسلم (٢٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>