للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: حكم صلاة التراويح في المسجد]

السنة في التراويح أن تُؤدَّى جماعةً في المساجد (١)، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية (٢)، والمالكية (٣)، والشافعية (٤)، والحنابلة (٥).

الأدلة:

١ - عن عائشة رضي الله عنها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)). قال: وذلك في رمضان. أخرجه البخاري ومسلم (٦)

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة التراويح بالجماعة، ولم يمنعه من الاستمرار بالجماعة إلا تخوفه أن تُفرَض على الأمة، ومعنى ذلك أن فعلها جماعة سنة.

٢ - عن عبدالرحمن بن عبدٍ القارئ قال: ((خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر رضي الله عنه: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم إلى أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. فقال عمر: نعم البدعة (٧) هذه، والتي ينامون عنها أفضل. يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله)). أخرجه البخاري (٨)


(١) وذلك لأن صلاة التراويح من الشعائر الظاهرة فأشبهت صلاة العيد.
(٢) ((المبسوط للسرخسي)) (٢/ ١٣٢)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (١/ ٢٨٨). قال الكاساني: (ثم اختلف المشايخ في كيفية سنة الجماعة والمسجد، أنها سنة عين أم سنة كفاية؟ قال بعضهم أنها سنةٌ على سبيل الكفاية إذا قام بها بعض أهل المسجد في المسجد بجماعة سقط عن الباقين، ولو ترك أهل المسجد كلهم إقامتها في المسجد بجماعة فقد أساءوا وأثموا. ومن صلاها في بيته وحده أو بجماعة لا يكون له ثواب سنة التراويح لتركه ثواب سنة الجماعة والمسجد).
(٣) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (٢/ ٧٢٨)، ((حاشية العدوي)) (١/ ٥٨٠). والمالكية وإن نصوا على أنه يسن فعلها في المسجد إلا أن فعلها في البيت عندهم أفضل لمن قويت نيته ونشط لذلك ولم تعطل المساجد.
(٤) ((المجموع للنووي)) (٤/ ٧)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (١/ ٢٢٦).
(٥) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٤٥٦)، ((الفروع لابن مفلح)) (٢/ ٣٧٣).
(٦) رواه البخاري (١١٢٩)، ومسلم (٧٦١) واللفظ له.
(٧) قال ابن عبدالبر: (وأما قول عمر: نعمت البدعة، في لسان العرب: اختراعُ ما لم يكن وابتداؤُهُ، فما كان من ذلك في الدين خلافا للسنة التي مضى عليها العمل فتلك بدعةٌ لا خير فيها وواجبٌ ذمٌّها، والنهي عنها، والأمر باجتنابها، وهجران مبتدعها، إذا تبين له سوء مذهبه. وما كان من بدعةٍ لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة - كما قال عمر - لأن أصل ما فعله سنة) ((الاستذكار)) (٥/ ١٥٣).
(٨) رواه البخاري (٢٠١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>