للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني: الحكمة من تشريع الصيام]

لما كانت مصالح الصوم مشهودةً بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة، شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده؛ رحمةً بهم؛ وإحسانا إليهم؛ وحميةً لهم وجُنَّةً (١).

فالصيام له حِكَمٌ عظيمةٌ، وفوائدُ جليلةٌ، ومنها:

١ - أن الصوم وسيلةٌ لتحقيق تقوى الله عز وجل:

فالصائم الذي امتنع عن الحلال في غير نهار رمضان، بإمكانه كذلك أن يمتنع عن الحرام.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: ١٨٣]

٢ - إشعار الصائم بنعمة الله تعالى عليه:

فإنَّ إلف النعم يُفقد الإنسانَ الإحساسَ بقيمتها، فإذا ذاق ألم فقدها حال الصوم، ذكر نعمة الله عليه بوجودها وتيسيرها له حال الفطر، فشكر نعمة ربه وقام بحقه (٢).

٣ - تربية النفس على الإرادة، وقوة التحمل:

فالصوم يهذب النفس، ويضبطها، حيث يحبس النفس عن الشهوات ويفطمها عن المألوفات، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). أخرجه البخاري ومسلم (٣) (٤).

٤ - في الصوم قهرٌ للشيطان:

فإن وسيلته إلى الإضلال والإغواء: الشهوات، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب. والصوم يضيِّق مجاري الدم، فتضيق مجاري الشيطان، فيُقهر بذلك، فعن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم (٥))). أخرجه البخاري ومسلم (٦).

٥ - الصوم موجبٌ للرحمة والعطف على المساكين:

فإن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، تذكَّرَ مَنْ هذا حالُهُ في جميع الأوقات، فتُسرِعُ إليه الرقة، والرحمة، والإحسان إلى المحتاجين (٧).

٦ - الصوم يطهِّر البدن من الأخلاط الرديئة ويكسبه صحةً وقوةً:

كما شهد بذلك الأطباء المختصون، فعالجوا مرضاهم بالصيام (٨).

وهذه الفوائد وغيرها هي بعض ما يدركه عقل الإنسان المحدود من هذه العبادة العظيمة، وذلك حين تُؤدَّى على وجهها المشروع.


(١) ((زاد المعاد لابن القيم)) (٢/ ٢٨).
(٢) ((فقه الدليل لعبد الله الفوزان)) (٣/ ١٦٩).
(٣) رواه البخاري (٥٠٦٥)، ومسلم (١٤٠٠).
(٤) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٤٩٧). قال الكمال ابن الهمام: ( .. شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجباً شيئين أحدهما عن الآخر: سكون النفس الأمارة، وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج فإن به تضعف حركتها في محسوساتها؛ ولذا قيل إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء، وإذا شبعت جاعت كلُّها)) ((فتح القدير)) (٢/ ٣٠٠).
(٥) قال ابن رجب: (الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان) ((لطائف المعارف)) (ص ٢٩١)، وانظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (٢٨/ ٩).
(٦) رواه البخاري (٢٠٣٩)، ومسلم (٢١٧٥).
(٧) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (٢٨/ ٩). قال الكمال ابن الهمام: (ومنها كونه موجبا للرحمة والعطف على المساكين فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في عموم الأوقات فتسارع إليه الرقة عليه والرحمة) ((فتح القدير)) (٢/ ٣٠١).
(٨) ((فقه الدليل لعبد الله الفوزان)) (٣/ ١٦٩). وقال ابن القيم: (وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات) ((زاد المعاد)) (٢/ ٢٩). وانظر تفصيل ذلك في: ((فقه الصوم وفضل رمضان لسيد العفاني)) (١/ ٧٧١ - ٨٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>