للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: البلوغ]

الفرع الأول: اشتراط البلوغ

يشترط لوجوب الصوم: البلوغ (١).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عن عليٍّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل)) (٢).

ثانياً: الإجماع:

حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (٣)، والنووي (٤).

الفرع الثاني: أمرُ الصبي بالصوم

إذا كان الصبي يطيق الصيام دون وقوع ضرر عليه، فعلى وليه أن يأمره بالصوم ليتمرَّن ويتعوَّد عليه.

وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية (٥)، والشافعية (٦) والحنابلة (٧)، وهو قولٌ عند المالكية (٨)، وبه قال طائفةٌ من السلف (٩).

الدليل:

عن الرُّبيِّع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن)). أخرجه البخاري (١٠).

وفي لفظ: (( ... ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم)). أخرجه مسلم (١١).

الفرع الثالث: حكم قضاء ما سبق إذا بلغ الصبي أثناء شهر رمضان

إذا بلغ الصبي أثناء شهر رمضان، فإنه يصوم بقية الشهر ولا يلزمه قضاء ما سبق، سواء كان قد صامه أم أفطره، وهو قول أكثر العلماء (١٢)؛ وذلك لأنه زمنٌ مضى في حال صباه فلم يلزمه قضاء الصوم فيه كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان (١٣).

الفرع الرابع: حكم القضاء والإمساك إذا بلغ الصبي أثناء نهار رمضان وهو مفطر

إذا بلغ الصبي أثناء نهار رمضان وهو مفطر، فإنه يمسك بقية يومه، ولا قضاء عليه، وهو مذهب الحنفية (١٤)، والشافعية (١٥)، وهي ورواية عن أحمد (١٦)، اختارها ابن تيمية (١٧).

فيلزمه الإمساك؛ وذلك لأنه صار من أهل الوجوب حين بلوغه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت.

ولا يلزمه قضاؤه؛ لانعدام أهلية العبادة في أول النهار؛ حيث لم يكن من أهل الوجوب.

كما أن الصوم لا يتجزأ، فإذا لم يجب البعض لم يجب الباقي، فما دام أنه في أول النهار ليس أهلاً للوجوب فليس أهلاً للوجوب في آخره، فلا يجب القضاء.


(١) وذلك لأن الصبي لضعف بنيته وقصور عقله واشتغاله باللهو واللعب يشق عليه تفهم الخطاب وأداء الصوم فأسقط الشرع عنه العبادات ((بدائع الصنائع للكاساني)) (٢/ ٨٧).
(٢) رواه أبو داود (٤٤٠١)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٤/ ٣٢٣) (٧٣٤٣)، وابن حبان (١/ ٣٥٦) (١٤٣)، والحاكم (١/ ٣٨٩). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (٢٢٥)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (٩/ ٢٠٦)، والنووي في ((المجموع)) (٦/ ٢٥٣) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (٤٤٠٣).
(٣) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ الذي يعلم أنه رمضان وقد بلغه وجوب صيامه وهو مسلم) ((مراتب الإجماع)) (ص ٣٩)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). وانظر ((المحلى)) (٦/ ١٦٠).
(٤) قال النووي: (لا يجب صوم رمضان على الصبي ولا يجب عليه قضاء ما فات قبل البلوغ بلا خلاف) ((المجموع)) (٦/ ٢٥٣).
(٥) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (١/ ٣٣٩)، ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (١/ ٣٧٣).
(٦) قال النووي: (قال المصنف والأصحاب: وإذا أطاق الصوم وجب على الولي أن يأمره به لسبع سنين بشرط أن يكون مميزا ويضربه على تركه لعشر لما ذكره المصنف، والصبية كالصبي في هذا كله بلا خلاف) ((المجموع)) (٦/ ٢٥٣).
(٧) على اختلاف بينهم في تحديد السن التي يؤمر فيها الصبي. ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ١٩٩)، ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (٣/ ١٤).
(٨) ((الذخيرة للقرافي)) (٢/ ٥٣٣).
(٩) قال ابن قدامة: (وممن ذهب إلى أنه يؤمر بالصيام إذا أطاقه عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي) ((المغني)) (٣/ ٤٥).
(١٠) رواه البخاري (١٩٦٠).
(١١) رواه مسلم (١١٣٦).
(١٢) قال ابن قدامة: (فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه، فلا قضاء عليه، وسواء كان قد صامه أو أفطره، هذا قول عامة أهل العلم، وقال الأوزاعي: يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه) ((المغني)) (٣/ ٤٦).
(١٣) وذلك لأنه لا يوجَّه إليه الأمر بالصيام حين ذاك، فليس من أهل وجوب الصيام، وعليه فلا يلزمه قضاؤه.
(١٤) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (٢/ ٣٦٣)، ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (١/ ٣٧٣).
(١٥) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٥٦).
(١٦) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٤٦)، ((الشرح الكبير لابن ققدامة)) (٣/ ١٥)، ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢٠٠).
(١٧) ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>