للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: وقت السحور واستحباب تأخيره]

الفرع الأول: وقت السحور

وقت السحور يكون في آخر الليل (١).

الفرع الثاني: تأخير السحور

المسألة الأولى: حكم تأخير السحور

يستحب تأخير السحور إلى قرب طلوع الفجر، ما لم يخش طلوعه، فإن خشي طلوعه فليبادر إلى التسحر (٢). وقد اتفق الفقهاء على أن تأخير السحور من السنة (٣).

الدليل:

عن أنس رضي الله عنه أن زيد بن ثابت رضي الله عنه حدَّثه ((أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة، قلت - أي أنس -: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين آية (٤))). أخرجه البخاري ومسلم (٥).

ففي الحديث: بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تأخير السحور إلى قبيل الفجر (٦).

المسألة الثانية: حكم قضاء من تسحر معتقداً أنه ليل، فتبين له دخول وقت الفجر

من تسحر معتقداً أنه ليل، فتبين له أن الفجر قد دخل وقته، فقد اختلف أهل العلم هل عليه القضاء أم لا؟ على قولين:

القول الأول: صومه صحيح، ولا قضاء عليه، وهو قول طائفة من السلف (٧): واختاره ابن تيمية (٨)، وابن عثيمين (٩).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قول الله سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: ١٨٧]

وجه الدلالة:


(١) قال ابن حجر: (السحر هو آخر الليل ... السُّحور هو الغذاء في ذلك الوقت، وبالفتح - أي السَّحور-: ما يؤكل في ذلك الوقت) ((فتح الباري)) (١/ ١٣٠). وقال الليث: (السَّحَرُ: آخِرُ الليل) ((تهذيب اللغة)) (مادة: سحر). قال ابن عثيمين: (السحر لغةً: ما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السحر لآخر الليل؛ لأن الأفعال التي تقع فيه تكون خفية، وكذلك سمي السحور؛ لما يؤكل في آخر الليل؛ لأنه يكون خفيًّا) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٩/ ٤٨٩). وانظر ((فقه الدليل لعبد الله الفوزان)) (٣/ ١٩٩)، و ((معرفة أوقات العبادات لخالد المشيقح)) (٢/ ١٣٧).
(٢) ((الشرح الممتع)) (٦/ ٤٣٤). قال ابن عثيمين: (وينبغي للمرء أن يكون مستعداً للإمساك قبل الفجر خلاف ما يفعله بعض الناس إذا قرب الفجر جدًّا قدم سحوره زاعماً أن هذا هو أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتأخير السحور، ولكن ليس هذا بصحيح، فإن تأخير السحور إنما ينبغي إلى وقت يتمكن الإنسان فيه من التسحر قبل طلوع الفجر، والله أعلم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (١٩/ ٢٩٥).
(٣) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (٢/ ١٠٥)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (٢١/ ٩٧)، ((بداية المجتهد لابن رشد)) (١/ ٣٠٧)، ((المجموع للنووي)) (٣/ ٣٧٨ - ٣٧٩)، ((مغني المحتاج للشربيني)) (١/ ٤٣٥)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (٢/ ٣٣١)، ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢٣٤).
(٤) قال ابن حجر: (في قوله: قدر خمسين آية؛ أي: متوسطة، لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة) ((فتح الباري)) (١/ ٣٦٧).
(٥) رواه البخاري (١٩٢١)، ومسلم (١٠٩٧).
(٦) ((شرح النووي على مسلم)) (٧/ ٢٠٨).
(٧) قال ابن قدامة: (وحكي عن عروة, ومجاهد والحسن, وإسحاق: لا قضاء عليهم) ((المغني)) (٣/ ٣٥).
(٨) قال ابن تيمية: (وإن شك: هل طلع الفجر؟ أو لم يطلع؟ فله أن يأكل ويشرب حتى يتبين الطلوع. ولو علم بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر ففي وجوب القضاء نزاع. والأظهر أنه لا قضاء عليه وهو الثابت عن عمر وقال به طائفة من السلف والخلف). ((مجموع الفتاوى)) (٢٥/ ٢١٦).
(٩) ((الشرح الممتع)) (٦/ ٣٩٤ - ٣٩٥، ٣٩٨)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (١٩/ ٢٩٢ - ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>