للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الأول: يلزمه القضاء، وهو قول أكثر أهل العلم (١).

الدليل:

عموم قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [البقرة: ١٨٧]

وجه الدلالة:

أن الصائم مأمورٌ بإتمام صومه إلى الليل، والصائم في هذه المسألة قد أكل في النهار.

القول الثاني: لا قضاء عليه، وهو قول طائفة من السلف (٢)، واختاره ابن تيمية (٣)، وابن القيم (٤).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

عموم قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: ٢٨٦]

وجه الدلالة:

أن هذا من الخطأ الذي قد عفا الله عنه؛ ولا قضاء على من أفطر مخطئاً (٥).

ثانياً: من السنة:

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري (٦).

وجه الدلالة: أنه لم يُنقَل أن الصحابة أُمِرُوا بالقضاء، ولو كان واجباً لنُقِل.

الفرع الثالث: حكم الفطر مع الشك في غروب الشمس

لا يجوز الفطر مع الشك في غروب الشمس، فمن أكل شاكًّا في غروب الشمس ولم يتبين له بعد ذلك هل غربت أم لا، أو تبين أنها لم تغرب، فإنه يأثم، ويجب عليه القضاء في الحالتين، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة (٧).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: ١٨٧]

وجه الدلالة:

أنه لا بد أن يتم الصائم صومه إلى الليل، أي: إلى غروب الشمس.

ثانياً: من السنة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم (٨).

فلا بد أن تغرب الشمس، والأصل بقاء النهار حتى يُتيَقَّن، أو يغلب على الظن غروب الشمس، فمن أكل وهو شاكٌّ فقد تجاوز حده، وفعل ما لم يُؤذَن له فيه.


(١) قال ابن عبدالبر: (قال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث فيمن أكل وظنه ليلاً ثم تبين له أنه نهار أو أفطر وهو يظن أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب فعليه القضاء) ((التمهيد)) (٢١/ ٩٨). قال ابن قدامة: (وكل من أفطر والصوم لازم له كالمفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب .. يلزمهم الإمساك لا نعلم بينهم فيه اختلافا إلا أنه يخرج على قول عطاء في المعذور في الفطر إباحة فطر بقية يومه قياساً على قوله فيما إذا قامت البينة بالرؤية وهو قول شاذ لم يعرج عليه أهل العلم) ((المغني)) (٣/ ٣٣)، وانظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (٦/ ٢٥٥). قال ابن قدامة: (مسألة: قال - أي الخرقي -: وإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب فعليه القضاء. هذا قول أكثر أهل العلم من الفقهاء وغيرهم) ((المغني)) (٣/ ٣٥). قال النووي: (ولو أكل ظانًّا غروب الشمس فبانت طالعة أو ظانًّا أن الفجر لم يطلع فبان طالعاً صار مفطراً هذا هو الصحيح الذى نص عليه الشافعي وقطع به المصنف والجمهور) ((المجموع)) (٦/ ٣٠٦). وقال القرطبي: (فإن ظن أن الشمس قد غربت لغيم أو غيره فأفطر ثم ظهرت الشمس فعليه القضاء في قول أكثر العلماء) ((تفسير القرطبي)) (٢/ ٣٢٨). وانظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٥/ ٢٩٠).
(٢) قال ابن عبدالبر: (وقال مجاهد وجابر بن زيد: لا قضاء عليه في شيء من ذلك كله وبه قال داود) ((التمهيد)) (٢١/ ٩٨). ونقل ابن المنذر أن ممن قال بعدم القضاء الحسن البصري وإسحاق، وأنه رواية عن عمر. ((الإشراف)) (٣/ ١٢٠).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢٠/ ٥٧٢ - ٥٧٣).
(٤) ((تهذيب سنن أبي داود)) (٦/ ٢١٢).
(٥) قال ابن القيم: ( .. لأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم، ولو أكل ناسياً لصومه لم يجب عليه قضاؤه، والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي، فإن كل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه، وأخطأ في فعله، وقد استويا في أكثر الأحكام، وفي رفع الآثام، فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع؟ وقد جعل أصحاب الشافعي وغيرهم الجاهل والمخطئ أولى بالعذر من الناسي في مواضع متعددة) ((تهذيب سنن أبي داود)) (٦/ ٢١٢).
(٦) رواه البخاري (١٩٥٩).
(٧) ((الهداية للميرغيناني)) (١/ ١٣٠)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (٢/ ١٠٦)، ((التمهيد لابن عبد البر)) (٢١/ ٩٧)، ((حاشية الدسوقي)) (١/ ٥٢٦)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (٣/ ٤٢٣)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (٣/ ١٥٨)، ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٣٥)، ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٣١٠)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٥/ ٢٩١)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (١٩/ ٢٩١).
(٨) رواه البخاري (١٩٥٤)، ومسلم (١١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>