للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: ١٩٦].

وجه الدلالة:

أن القارن متمتع بجمع النسكين في نسك واحد، ومتمتع بسقوط أحد السفرين عنه، فلم يحرم لكل نسك من ميقاته، فيدخل بذلك في عموم الآية في مسمى التمتع (١).

ثانياً: أن إطلاق الصحابة رضي الله عنهم التمتع على نسك النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان نسكه القران (٢):

١. عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ((تمتع نبي الله وتمتعنا معه)) (٣).

٢. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج)) (٤).

٣. عن سعيد بن المسيب قال: ((اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً)) (٥).

ثالثاَ: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إنما جعل القران لأهل الآفاق وتلا: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: ١٩٦]، فمن كان من حاضري المسجد الحرام وتمتع أو قرن لم يكن عليه دم قران ولا تمتع ومن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وقرن أو تمتع فعليه دم)).

وجه الدلالة:

أنه أدرج القران في مسمى التمتع في الآية، وذلك بلزوم الدم إن كان من أهل الآفاق، وعدم لزومه إن كان من حاضري المسجد الحرام (٦).

رابعاً: أن كلا النسكين فيه تمتع لغة ; لأن التمتع من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع أو النفع، وكل من القارن والمتمتع، انتفع بإسقاط أحد السفرين وانتفع القارن باندراج أعمال العمرة في الحج (٧).

المطلب الثالث: صور القران:

للقران ثلاث صور:

الصورة الأولى: صورة القران الأصلية:

أن يحرم بالعمرة والحج معا، فيجمع بينهما في إحرامه، فيقول: لبيك عمرة وحجا، أو لبيك حجا وعمرة (٨).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

١. أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل -عليه السلام- وقال: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو قال: عمرة وحجة)) (٩).

٢. عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ((فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، ومنا من أهل بحج وعمرة)) (١٠).

ثانياً: هذه الصورة هي نسك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بين الفقهاء في صحتها، وإنما اختلفوا في المفاضلة بينها وبين غيرها من أنواع النسك، وقد نقل الإجماع على جوازها ابن عبدالبر (١١)، والمباركفوري (١٢).

الصورة الثانية: إدخال الحج على العمرة:


(١) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (٨/ ٣٥٤)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٦/ ٨١).
(٢) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٢/ ٥٢١).
(٣) رواه مسلم (١٢٢٦).
(٤) رواه البخاري (١٦٩١)، ومسلم (١٢٢٧).
(٥) رواه البخاري (١٥٦٩)، ومسلم (١٢٢٣).
(٦) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (٨/ ٣٥٥)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٥/ ١٢٧).
(٧) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٥/ ١٢٧).
(٨) الأفضل أن يقدم العمرة في التلبية فيقول: (لبيك عمرة وحجاً)؛ لأن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ولأنها سابقة على الحج. ((المجموع)) للنووي (٧/ ١٧١).
(٩) رواه البخاري (١٥٣٤).
(١٠) رواه البخاري (٤٤٠٨)، ومسلم (١٢١١)
(١١) قال ابن عبدالبر في معرض تقريره وصف القران بالتمتع: (هذا وجه من التمتع لا خلاف بين العلماء في جوازه) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (٨/ ٣٥٤).
(١٢) قال المباركفوري: (الإهلال بالحج والعمرة معًا، وهذا متفق على جوازه) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (٨/ ٤٥٩)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (٣/ ٢٣٩)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٨)، ((شرح السنة)) للبغوي (٧/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>