للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ المرأة على وصف الحج عن أبيها بأنه فريضة، مع عجزه عنه ببدنه، ولو لم يجب عليه لم يقرها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يقر على خطأ، فدل على أن العاجز ببدنه القادر بماله يجب عليه أن ينيب (١).

ثالثاً: أن هذه عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فجاز أن يقوم غيرُ فعله فيها مقامَ فعله، كالصوم إذا عجز عنه افتدى (٢).

المبحث الثالث: إذا استناب للفريضة ثم برئ:

من استناب للحج ثم برئ قبل الموت فهل يجب الحج عليه أو يسقط عنه؟ فيه قولان لأهل العلم:

القول الأول: يجزئ عنه، ويسقط عنه الفرض، وهذا مذهب الحنابلة (٣)، والظاهرية (٤)، وبه قال إسحاق ابن راهويه (٥).وذلك للآتي:

١. أن المنيب أتى بما أُمِر به من إقامة غيره مقامه، ومن أتى بما أُمِر به برئت ذمته، وخرج من العهدة كما لو لم يبرأ (٦).

٢. أنه فَعَلَ عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه فتجزئه، ولو تبين بعد ذلك أن الواجب كان غيرها (٧).

٣. أن إيجاب الحج عليه يُفضي إلى إيجاب حجتين عليه، ولم يوجب الله عليه إلا حجة واحدة (٨).

٤. القياس على المتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي فإنه يجزئ عنه (٩).

القول الثاني: لا يجزئه عن حج الفريضة، وعليه الحج بنفسه، وهذا مذهب الحنفية (١٠)، والشافعية في الأصح (١١)، واختاره ابن المنذر (١٢) (١٣). وذلك للآتي:

١. أن هذا الحج بدل إياس، فإذا برأ تبين أنه لم يكن مأيوساً منه، فلزمه الأصل (١٤).

٢. قياساً على الآيسة من الحيض إذا اعتدت بالشهور، ثم حاضت لا يجزئها تلك العدة (١٥).

٣. أن جواز الحج عن الغير ثبت بخلاف القياس، لضرورة العجز الذي لا يرجى زواله، فيتقيد الجواز به (١٦).


(١) ((المحلى)) لابن حزم (٧/ ٥٧)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ١١).
(٢) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٣/ ١٤٥)، ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢).
(٣) ((الإنصاف)) للمرداوي (٣/ ٢٨٧)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٣٩١).
(٤) قال ابن حزم: قال أصحابنا: ليس عليه أن يحج بعد. وقال أيضاً: (إذا أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحج عمن لا يستطيع الحج راكباً ولا ماشياً، وأخبر أنه دين الله يقضى عنه؛ فقد تأدى الدين بلا شك وأجزأ عنه، سقط وتأدى، فلا يجوز أن يعود فرضه بذلك؛ إلا بنص ولا نص هاهنا أصلاً بعودته - ولو كان ذلك عائداً لبين عليه السلام ذلك؛ إذ قد يقوى الشيخ فيطيق الركوب؛ فإذ لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلا يجوز عودة الفرض عليه بعد صحة تأديه عنه) ((المحلى)) (٧/ ٦٢ رقم ٨١٦).
(٥) ((المجموع)) للنووي (٧/ ١٠٢)، ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢).
(٦) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٣٩١).
(٧) ((قواعد ابن رجب)) (ص: ٧).
(٨) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢)، ((فتح الباري)) لابن حجر (٤/ ٧٠).
(٩) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٣٩١).
(١٠) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٣/ ١٤٦)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (١/ ٤٥٥).
(١١) ((روضة الطالبين)) للنووي (٣/ ١٣، ١٤)، ((المجموع)) للنووي (٧/ ١٠٢).
(١٢) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢).
(١٣) لم يُذكر قول المالكية في الخلاف في المسألة؛ لأن المسألة لا تتصور عندهم بسبب أن العاجز عندهم لا فريضة عليه. ((مواهب الجليل)) (٤/ ٣)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (٤/ ٦٩).
(١٤) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢).
(١٥) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٢٢).
(١٦) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (٢/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>