بالمآل، ولم تعرِف أنكَ تُرض عليه عند الموت ويوم السؤال، وتطالب - مع هذا الْجَوْر والقصور - بالتنعم باللذات والحبور، أنت تعلم ما تقاسي على صفة منتنة، وما تحتاج إليه من مؤونة، وتريد الوصولَ إلى الجواري الحسان اللاتي لم يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ ولا جان، هؤلاء الملائكة مع جليل قَدْرهم، وكَثْرَة عبادتهم، يقولون يوم القيامة: سبحانك ما عَبَدْنَاكَ حقَّ عبادتك، ولو استكثرت أعمالهَا لتباعدت من خالقها، يقول تعالى في بعض كتبه:
" أيطلب أحدكم الجنةَ بقيام الليل، والحاريس
يحرسُ ليلةً بدانِقَيْن، فكيف يمنّ عليَّ بليْلةٍ، وهي تساوي دَانِقين، أخذت بزيّ كسرى وقيصر، وتريد أنْ ترافِقَ أحبابي! وَيْحَك اعرض نفسك على كتابي تجد فيه وصفَ أحبائي وأعدائي، وانظر إلى أيِّ الصنفين أنْتَ أقرب، فإنكَ بهم يوم القيامة تلحق.
كيف تأمن مَكْرِي، أو تطلب جواري، ولست تدري في أي
الفريقين أنتَ يوم الميثاق حيث قلت: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، أَم حين خلقتك في ظلمات ثلاث، وكتب عليك ملَكُ الأرحام بالشقاوة أو السعادة، أو يوم المطلع حين تبَشَّر برضائي أو سخطي، أم يوم يصير الناس أشتاتاً، ولا تدري أي الطريقتين تَسْلك، فمحقوق صاحبُ هذه الأخطار ألا يلتفت إلى الأغيار، ولا يتشبه بالأحرار، ما حيلتكَ إذا اضطجعْتَ في حفرتك، وانصرف المشيعون من جيرانك، وبكى كلُّ غريب عليك لغُرْبتك، ودَمَع عليك المشفقون مِن عشيرتك، وناداكَ من شَفِير القبر ذو مَوَدَّتك، ورحمك المعادي عند صَرْعتك، ولم يَخْفَ على الناظرين عَجر حيلتك، فإن كنت عندي حبيباً، وإليَّ قريباً، أحسن ضِيافتك، وأكون أشفق من قرابتك، وأقول لملائكتي: فريد قد نعاة الأقربون، ووحيد قد جفاهُ الأهلون، فأشْفِقوا عليه وارحموه، ويا هوامّ لا تقربوه، ويا أرض توسمعي عليه ولا تؤذيه، ويا رضوان افتح عليه مِنْ نعيم ما يُؤْنِسه ويغذيه، (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) .