يُكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عيناً (١) وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم.
ثم إنهما قرِّبَا هداياهم إلى النجاشي، فقبلها منهما، ثم كلماهُ فقالا لهُ: أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمانٌ سُفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدينٍ مبتدعٍ [لانعرفه] نحنُ ولا أنتَ، وقد بعثنا إليك فيهم أشرافُ قومهم من آبائهم وأعمامهم، وعشائرهم، لنردهم إليهم، فهُم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه.
قال: ولم يكن شئٌ أبغض إلى عبد الله بن [أبي] ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهُم، فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك. قومُهم أَعلى بهم [عيناً] وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم غليهما ليردوهم إلى بلادهم وقومهم، قال: فغضب النجاشيُّ ثم قال: لا هَا الله ليردوهم إلى بلادهم وقومهم، قال: فضغب النجاشي ثم قال: لا هَا الله إذا لا أُسْلمهُم إليهما، ولا أَكادُ، قوماً جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواى، حتى أدعُوهم. فأسألهم ماذا يقولُ هذان في أمرهم؟ فإن كانوا كما يقولون أسلمتهُم غليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهم وأحسنتُ جوارهم [ما] جاورُوني.
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعاهُم، فلما جاءهُم رسولُهُ اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما نقُولُ للرجل إذا جئتموهُ؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - كائنٌ في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفتهُ، فنشروا مصاحفهُم حوله، فسألهُم فقال: ماهذا [الدين] الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا دين قومكم، ولا دين أحدٍ من الأمم؟ وكان الذي كلمهُ جعفرُ بن أبي طالبٍ فقال لهُ: أيُّها الملك كُنَّا قوماً أهل جاهليةٍ،
(١) أعلى بهم عيناً: أبصر بهم وأعلم بحالهم. النهاية.