للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

البراهين، إذ كان تنزيل العزيز الرحيم، وأنطقه الله بما أفهمهُ منه من الحكمة، وهي السنة المأثورة قولاً منه وعملاً، وتقريراً وفعلاً، غير أنها لا تتلى (١) ، ولكن تُحفظ وتروى، كما ضبطها المحفوظون من أصحابه سفراً وحضراً، ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، وسألوا أزواجه - أمهات المؤمنين - عما كان يعانيه عندهن من أمور الدين، وعن صلواته في خلواته وعن قيامه في الليل البهيم، فبين ذلك للأمة أتم تبيين، وضبطن ذلك أتم ضبطٍ وحفظٍ متين، ولا سيما الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سماوات عائشة أم المؤمنين، كما بسطنا ذلك في مسندها رضي الله عنها وعنهن وعنهم أجمعين، ولهذا لم تحتج أمته إلى نبي بعده، كما كانت الأمم قبلها لا يخلو زمان عن نبي أو أكثر يسدون (٢) أحكام كتابهم، ويرشدونهم إلى ما ينفعهم في معاشهم في هذه الدنيا ويوم مآبهم.

قال الله تعالى - وبه يؤمن المؤمنون -: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} (٣) فقال {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} فوكل حفظ التوراة إليهم، فلذا دخلها بعد أنبيائهم التحريف والتبديل والتأويل/ ثم أضيف إلى ذلك كله النسخُ، ولا يجوز الحكم بها، ولا التحاكم إليها، ولا الاعتماد عليها، بعد نزول القرآن العظيم المهيمن عليها وعلى ما قبلها وبعدها من الكتب السماوية، الناسخ لما فيها إلَاّ ما قُرِّرَ منها فإن الصحيح (أن شرع من


(١) في الأصل (تبلى) وما أثبتناه هو الموافق للسياق.
(٢) يسدون: يوثقون. يقال سد الأمر وسدده أوثقه. وتراجع المادة في اللسان ٣/١٩٦٨.
(٣) آية (٤٤) المائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>