للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجبل، فرديتهم (١) بالحجارة فما زال ذلك شأنى وشأنهم أتبعهم وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا خلفته وراء ظهرى، فاستقته من أيديهم، ثم لم أزل أرمهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين برده (٢) يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة، وجمعت على طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا اشتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزارى مداداً لهم، وهم فى ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل، فأنا فوقهم، فقال عيينة: ما هذا الذى أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح (٣) ما فارقنا بسحر حتى الآن، وأخذ كل شىءٍ فى أيدينا، وجعله وراء ظهره. قال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلباً (٤) لقد ترككم ليقم إليه نفر منكم، فقام إليه نفر منهم أربعة، فصعدوا فى الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفونى؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذى كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يطلبنى منكم، فيدركنى، ولا أطلبه فيفوتنى، فقال رجل منهم إن أظن (٥)

قال: فما برحت مقعدى حتى نظرت إلى فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدى، وعلى أثره أبو قتادة فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى أثر أبى قتادة المقداد الكندى، فولى المشركون مدبرين، وأنزل من الجبل فأعرض للأخرم فآخذ بعنان فرسه، فقلت: يا أخرم ائذن القوم ـ يعنى احذرهم ـ فإنى لا آمن أن يقطعوك (٦) فاتئد حتى يلحق رسول الله


(١) رديتهم بالحجارة: رميتهم بها، يقال ردى يردى ردياً إذا رمى والمردى والمرداة الحجر وأكثر ما يقال فى الحجر الثقيل. النهاية: ٢/٧٧.
(٢) البردة والبرد: نوع من الثياب معروف. النهاية: ١/٧٢.
(٣) لقينا منه البرح: أى الشدة. النهاية: ١/٧٠.
(٤) طلبا: جمع طالب.
(٥) إن: بمعنى نعم. اللسان: ١/١٥٦..
(٦) أن يقطعوك: أن يؤخذ وينفرد به. النهاية: ٣/٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>