تقام الصلاة ويصلي، ثم يعود إلى منزله من غير أن يكلم أحدا، ولا يتجرأ أحد على الكلام معه لهيبته ووقاره وعظم حرمته، ورأيته مرارا عديدة لكنني لا أعرف ما في وجهه حياء منه ومهابة، وكان يطيل قيامه في الصلاة مقدار أن يقرأ في كل ركعة حزبين تقديرا، فيكون تعبده في كل يوم جمعة يعني من حين دخوله إلى الجامع إلى وقت الصلاة مقدار نصف ختمة من غير أن يسمع له قراءة ولا تسبيح، وكان لا يرى نهارا إلا عند ذهابه يوم الجمعة إلى الجامع لا غير، ولا يرى ليلا إلا في كل ثلاث ليال مرة واحدة عند شراء قوته حسبما ذكرناه.
وكان له كرامات كثيرة، من ذلك ما أخبرني من أثق به عن بعض أهل الخانقاة أنه اشترى في بعض الأحيان كنافة وصب فوقها خلا، فرآه ذلك الرجل والشيخ لا يشعر به، والشيخ يقول لنفسه: ما تأكلي إلا كنافة؟ كلي، فهجم ذلك الرجل على الشيخ، وكان يعرفه قديما، وقال: أنا آكل معه من هذه الكنافة التي بالخل تبركا، فقال له الشيخ: بسم الله كل يا فلان، فصار الرجل يأكل الكنافة بعسل غاية في الحلاوة، والشيخ يأكل معه إلى أن فرغا معا. ورئي مرة بسطح الخانقاة وقد مد يده وفيها فتات الخبز والطيور تأكل مما في يده، وله أشياء من هذه المقولة وكرامات هائلة. ودام على ذلك نحو الثلاثين سنة.
وكان إذا احتاج إلى خياطة خيشة يلبسها، أو أعانة أحد عند عجزه في أواخر عمره عن حمل الجرة بالماء التي يتوضأ منها أعطاه من الفلوس شيئا، ويقول: