للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عمي عليه خبر الهلال والشهور، كالسجين والأسير بدار الحرب وغيرهما، فإنه يجتهد ويتحرى الهلال (١)، ويصوم شهراً، وهذا قول عامة الفقهاء (٢)، فهو مذهب الحنفية (٣)، والمالكية (٤). والشافعية (٥)، والحنابلة (٦) (٧)، وقد حكى الماوردي إجماع السلف على ذلك (٨).

- فإن صام مجتهداً بما غلب على ظنه، فله أربع حالات:

١ - أن يتبين له أن صومه وافق شهر رمضان، فصومه صحيح، ولا إعادة عليه؛ قياساً على من اجتهد في القبلة، وصلى وبان له صواب الاجتهاد، فإنه يجزئه، فكذلك الحال في الصوم إذا أدى هذه العبادة باجتهاد، فوجب إذا بان له صواب اجتهاده، أن يجزيه.

٢ - أن يستمر الإشكال عليه، فلا يعلم هل وافق الشهر أو تقدمه أو تأخره، فيجزئه ولا إعادة عليه؛ وذلك لأن الظاهر من الاجتهاد صحة الأداء، ما لم يتيقن الخطأ، وقد أدى ما عليه.

٣ - أن يتيبن له أن صومه كان قبل رمضان، فعليه الإعادة، وهو قول أكثر الفقهاء (٩)؛ وذلك لأنه تعين له يقين الخطأ، فوجب أن يلزمه القضاء، كما لو بان له أداء الصلاة قبل الوقت، فإنه تلزمه الإعادة.

٤ - أن يتبين له أنه صام بعد نهاية شهر رمضان، فهذا يجزئه، ولا إعادة عليه (١٠) إلا فيما لا يصح صيامه كالعيدين (١١)، فإن عليه أن يعيد الأيام التي لا يصح صيامها، وهو قول عامة الفقهاء (١٢)؛ وذلك لأن القضاء قد استقر في ذمته بفوات الشهر، ثم وافق صومه زمان القضاء.

المسألة الثانية: حكم صوم الأسير ونحوه من غير اجتهاد

إن صام الأسير ونحوه من غير اجتهاد، فلا يصح صومه، وعليه الإعادة، حتى وإن تبين له أن صومه وافق رمضان (١٣)، وهو قول الشافعية (١٤)؛ وذلك لأنه شرع في العبادة شاكًّا من غير مستند شرعي، فتعدى حدود الله تعالى، وفعل ما لم يُؤذَن له فيه.


(١) وذلك لأنه مأمورٌ بصوم رمضان، وطريق الوصول إليه في هذه الحالة غير ممكنٍ إلا بالتحري والاجتهاد. قال ابن قدامة: (من كان محبوساً أو مطموراً, أو في بعض النواحي النائية عن الأمصار لا يمكنه تعرف الأشهر بالخبر, فاشتبهت عليه الأشهر, فإنه يتحرى ويجتهد, فإذا غلب على ظنه عن أمارةٍ تقوم في نفسه دخول شهر رمضان، صامه) ((المغني)) (٣/ ٥٠). وقال النووي: (الأسير ونحوه إذا اشتبهت عليه شهور يتحرى ويصوم بما يظهر بالعلامة أنه رمضان) ((المجموع)) (٦/ ٢٨٧).
(٢) قال ابن قدامة: ( ... فإنه يجزئه في قول عامة الفقهاء) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٥٠). انظر ((الحاوي الكبير للماوردي)) (٣/ ٤٥٩)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٨٩).
(٣) ((أحكام القرآن للجصاص)) (١/ ٢٣٣)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (٢/ ٣١٢).
(٤) ((التاج والإكليل للمواق)) (٢/ ٤١٧)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (٢/ ٢٤٥).
(٥) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (٣/ ٤٥٩)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٨٨).
(٦) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٥٠)، ((الفروع لابن مفلح)) (٤/ ٤٢٧).
(٧) قال ابن تيمية: ( .. فإنه يجتهد ويتحرى في معرفة عين الشهر ودخوله، كما يتحرى في معرفة وقت الصلاة، وجهة القبلة، وغير ذلك عند الاشتباه؛ لأنه لا يمكنه أداء العبادة إلا بالتحري والاجتهاد، فجاز له ذلك كما يجوز في الصلاة) ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (١/ ١٥٩)
(٨) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (٣/ ٤٥٩)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٨٩)
(٩) قال ابن قدامة: (الحال الثالث: وافق قبل الشهر فلا يجزئه في قول عامة الفقهاء) ((المغني)) (٣/ ٥٠). قال النووي: (أن يصادف صومه ما قبل رمضان فينظر إن أدرك رمضان بعد بيان الحال لزمه صومه بلا خلاف لتمكنه منه في وقته (وإن) لم يبن الحال إلا بعد مضي رمضان فطريقان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أحدهما) القطع بوجوب القضاء (وأصحهما) وأشهرهما فيه قولان (أصحهما) وجوب القضاء (والثاني) لا قضاء) ((المجموع)) (٦/ ٢٨٦). انظر ((الحاوي الكبير للماوردي)) (٣/ ٤٥٩)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (٢/ ٢٤٥).
(١٠) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٥٠)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٨٩)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (٢/ ٢٤٥).
(١١) قال ابن قدامة: (فإن دخل في صيامه يوم عيد لم يعتد به, وإن وافق أيام التشريق, فهل يعتد بها؟ على روايتين: بناء على صحة صومها على الفرض) ((المغني)) (٣/ ٥١). وقال أيضاً: (أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه, محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة) ((المغني)) (٣/ ٥١).
(١٢) قال ابن قدامة: (الثاني: أن ينكشف له أنه وافق الشهر أو ما بعده, فإنه يجزئه في قول عامة الفقهاء) ((المغني)) (٣/ ٥٠).
(١٣) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٨٨)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (٣/ ١٦٢).
(١٤) قال النووي: (فإن صام بغير اجتهاد ووافق رمضان لم يجزئه بلا خلاف) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>