للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلزم من أفطر بالأكل والشرب متعمداً الإمساك بقية يومه، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم (١)؛ واجتمعت عليه كلمة المذاهب الفقهية: الحنفية (٢)، والمالكية (٣)، والشافعية (٤)، والحنابلة (٥)، والظاهرية (٦)؛ وذلك لأنه أفطر بدون عذر فلزمه إمساك بقية النهار، وفطرُهُ عمداً لم يُسقِط عنه ما وجب عليه من إتمام الإمساك.

الفرع الثاني: تناول الطعام والشراب نسيانا

من أكل أو شرب ناسياً، فلا شيء عليه ويتم صومه، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية (٧)، والشافعية (٨)، والحنابلة (٩).

الأدلة:

أولا: من الكتاب:


(١) قال ابن قدامة: (وكل من أفطر والصوم لازمٌ له، كالمفطر بغير عذر، والمفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع، أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب، أو الناسي لنية الصوم، ونحوهم، يلزمهم الإمساك، لا نعلم بينهم فيه اختلافا. إلا أنه يخرج على قول عطاء في المعذور في الفطر، إباحة فطر بقية يومه، قياساً على قوله فيما إذا قامت البينة بالرؤية. وهو قولٌ شاذ، لم يعرِّج عليه أهل العلم) ((المغني)) (٣/ ٣٣). وقال النووي: (إذا أفطر الصائم في نهار رمضان بغير الجماع من غير عذرٍ عامداً مختاراً عالماً بالتحريم، بأن أكل أو شرب أو استعط أو باشر فيما دون الفرج فأنزل، أو استمنى فأنزل، أثم ووجب عليه القضاء وإمساك بقية النهار) ((المجموع)) (٦/ ٣٣٩). وقال ابن القيم: (الصائم إذا أفطر عمداً لم يسقط عنه فطره ما وجب عليه من إتمام الإمساك ولا يقال له قد بطل صومك فإن شئت أن تأكل فكل، بل يجب عليه المضي فيه وقضاؤه؛ لأن الصائم له حدٌّ محدود وهو غروب الشمس) ((إعلام الموقعين)) (٢/ ٥٣). وقال ابن عثيمين: (هذه المفطرات إذا فعلها الإنسان وقد تمت الشروط الثلاثة، كما لو أكل عالماً، ذاكراً، مختاراً، ترتب عليه: أولا: الإثم إذا كان الصوم واجباً. ثانيا: فساد الصوم. ثالثا: وجوب الإمساك إن كان في رمضان. رابعا: القضاء، هذا إذا كان صومه واجبا) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (٢٠/ ١٥٠).
(٢) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (٢/ ٣٦٣)، ((حاشية ابن عابدين)) (٢/ ٤٠٨).
(٣) ((الشرح الكبير للدردير)) (١/ ٥٢٥)، ((الذخيرة للقرافي)) (٢/ ٥٢٣).
(٤) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٣٩).
(٥) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٣٣)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (٢/ ٣٠٩).
(٦) قال ابن حزم: (من تعمد الفطر عاصياً فهو مفترض عليه بلا خلاف, صوم ذلك اليوم, ومحرمٌ عليه فيه كل ما يحرم على الصائم ولم يأت نصٌّ ولا إجماعٌ بإباحة الفطر له إذا عصى بتعمد الفطر, فهو باقٍ على ما كان حرامًا عليه, وهو متزيد من المعصية متى ما تزيد فطرًا, ولا صوم له مع ذلك. وروينا عن عمرو بن دينار نحو هذا, وعن الحسن, وعطاء: أن له أن يفطر) ((المحلى)) (٦/ ٢٤٣).
(٧) ((المبسوط للسرخسي)) (٣/ ٦١) , ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (٢/ ٣٢٧).
(٨) ((الأم للشافعي)) (٧/ ٧٠)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٣٥). قال النووي: (وبه قال الحسن البصري ومجاهد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر) ((المجموع)) (٦/ ٣٣٥)
(٩) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ٢٣)، ((الإنصاف للمرداوي)) (٣/ ٢١٥). قال ابن القيم: (قاعدة الشريعة أن من فعل محظورا ناسيا فلا إثم عليه كما دل عليه قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء وقال: (قد فعلت) وإذا ثبت أنه غير آثم فلم يفعل في صومه محرما فلم يبطل صومه، وهذا محض القياس؛ فإن العبادة إنما تبطل بفعل محظور أو ترك مأمور) ((إعلام الموقعين)) (٢/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>