للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... فأنزل الله تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: ٢٨٦] قال - أي الله سبحانه وتعالى -: قد فعلت)). أخرجه مسلم (١)

ثانيا: من السنة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). أخرجه البخاري ومسلم (٢)

الفرع الثالث: حكم من ابتلع ما بين أسنانه وهو صائم

من ابتلع ما بين أسنانه وهو صائم وكان يسيراً لا يمكن لفظه مما يجري مع الريق فصومه صحيح؛ وذلك لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه الريق، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (٣).

أما إن كان يمكنه لفظه فابتلعه فإنه يفطر، وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم (٤)؛ وذلك لأنه بلع طعاما يمكنه لفظه باختياره ذاكرا لصومه فأفطر به، كما لو ابتدأ الأكل.

الفرع الرابع: حكم ابتلاع الصائم ما لا يؤكل في العادة

إذا ابتلع الصائم ما لا يُؤكَلُ في العادة كدرهمٍ أو حصاةٍ أو حشيشٍ أو حديدٍ أو خيطٍ أو غير ذلك أفطر (٥)، وقد ذهب إلى ذلك جماهير العلماء من السلف والخلف (٦).

الدليل:

١ - أنه في حكم الأكل؛ فإنه يقال: أكل حصاة، فيكون حكمه حكم الأكل.

٢ - قول ابن عباس رضي الله عنهما: الفطر مما دخل وليس مما خرج (٧).

الفرع الخامس: حكم شرب الدخان أثناء الصوم

شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يفسد الصيام، وهذا باتفاق الفقهاء (٨)؛ وذلك لأن الدخان له جرمٌ ينفذ إلى الجوف، فهو جسمٌ يدخل إلى الجوف، فيكون مفطراً كالماء؛ ولأنه يسمَّى شرباً عرفاً وصاحبه يتعمد إدخاله في جوفه من منفذ الأكل والشرب فيكون مفطرا.


(١) رواه مسلم (١٢٦).
(٢) رواه البخاري (١٩٣٣)، ومسلم (١١٥٥)، قال النووي: (فيه دلالةٌ لمذهب الأكثرين أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيا لا يفطر) ((شرح صحيح مسلم للنووي)) (٨/ ٣٥).
(٣) ((الإشراف)) (٣/ ١٣٤).
(٤) ((المغني لابن قدامة)) (٣/ ١٩)، ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٢٣).
(٥) وذلك لأن الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف؛ ولذا يقال فلانٌ يأكل الطين.
(٦) قال ابن قدامة: (وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به، فأما ما لا يتغذى به، فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به) ((المغني)) (٣/ ١٤، ١٥). وقال النووي: (إذا ابتلع الصائم ما لا يؤكل في العادة كدرهم ودينار أو تراب أو حصاة أو حشيشا أو نارا أو حديدا أو خيطا أو غير ذلك أفطر بلا خلاف عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف) ((المجموع للنووي)) (٦/ ٣٢٦).
(٧) رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (٩٤١١)، وأورده البخاري في صحيحه (باب الحجامة والقيء للصائم) معلقاً بصيغة الجزم بلفظ: (الصوم مما دخل)، ووصله البيهقي في السنن الكبرى (٥٧٩). وقال البيهقي في ((الخلافيات)) (٢/ ٣٥٧): ثابت، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، وقال النووي في ((المجموع)) (٦/ ٣١٧): إسناده حسن أو صحيح، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (٤/ ٧٩): إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.
(٨) انظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (١٠/ ١١١). قال ابن عابدين: (قوله (إنه لو أدخل حلقه الدخان) أي بأي صورةٍ كان الإدخال حتى لو تبخر بخوراً فآواه إلى نفسه واشتمه ذاكرا لصومه أفطر؛ لإمكان التحرز عنه وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك؛ لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخانٍ وصل إلى جوفه بفعله إمداد وبه علم حكم شرب الدخان ونظمه الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية بقوله ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لا شك يفطر). ((حاشية رد المحتار)) (٢/ ٣٩٥). وقال الدردير: ((و) بترك إيصال (بخور) بفتح الباء أي الدخان المتصاعد من حرق نحو العود، ومثله بخار القدر فمتى وصل للحلق أوجب القضاء، ومنه الدخان الذي يشرب أي يمص بالقصب ونحوه فإنه يصل للحلق بل للجوف) ((الشرح الكبير)) (١/ ٥٢٥). وقال البهوتي: (وإن دخل حلقه ذبابٌ أو غبار طريقٍ أو غبار دقيقٍ أو دخانٍ من غير قصدٍ لم يفطر لعدم القصد كالنائم، وعُلِمَ منه أن من ابتلع الدخان قصداً فسد صومه) ((كشاف القناع)) (٢/ ٣٢٠ - ٣٢١). وقال ابن عثيمين: ( .. وبهذا تبين أن شرب الدخان يفطر الصائم مع ما فيه من الإثم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (١٩/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>