للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن المواقيت: ((هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن كان يريد حجا أو عمرة)) رواه البخاري، ومسلم (١).

وجه الدلالة:

أنَّ مفهوم الحديث يدل على أنَّ من لم يرد الحج والعمرة، يجوز له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام، ولو وجب بمجرد الدخول لما علقه على الإرادة (٢).

٢ - عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير احرام)) رواه مسلم (٣)، وعن أنس رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر)) رواه مسلم (٤).

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح حلالاً غير محرم، وكذا أصحابه، فدل على عدم لزوم الإحرام لمن دخل مكة (٥).

ثانياً: أن الله تعالى لم يأمر قط, ولا رسوله عليه الصلاة السلام بأن لا يدخل مكة إلا بإحرام، فهو إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه (٦).

ثالثاً: أنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج والعمرة عند من أوجبها إنما تجب مرة واحدة، فلو أوجبنا على كل من دخل مكة أو الحرم أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة (٧).

رابعاً: أنه تحية لبقعة فلم تجب كتحية المسجد (٨).

مسألة المرور بميقاتين:

لا يجوز لمريد النسك أن يتجاوز أول ميقات يمر عليه إلى ميقات آخر، سواء كان أقرب إلى مكة أو أبعد، مثل أن يترك أهل المدينة الإحرام من ذي الحليفة حتى يحرموا من الجحفة، أو أن يترك أهل الشام الإحرام من الجحفة إلى ذي الحليفة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (٩) والشافعية (١٠)، والحنابلة (١١)، وهو قول طائفة من السلف (١٢)، واختاره النووي (١٣)، وابن حجر (١٤)، والصنعاني (١٥)،وابن عثيمين احتياطاً (١٦).

الأدلة:

أولاً: من السنة:


(١) رواه البخاري (١٥٢٤)، ومسلم (١١٨١).
(٢) ((مغني المحتاج)) للشربيني (١/ ٤٨٥).
(٣) رواه مسلم (٣٣٧٥).
(٤) رواه مسلم (٣٣٧٤)
(٥) ((المجموع)) للنووي (٧/ ١٠، ١١)، ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٥٣).
(٦) ((المحلى)) لابن حزم (٧/ ٢٦٦).
(٧) ((سبل السلام)) (١/ ٦١٢).
(٨) ((المجموع)) للنووي (٧/ ١٦).
(٩) استثنى المالكية من ذلك صورة واحدة، وهي إذا ما كان يمر بميقاته الأصلي مرة أخرى، كمصري يمر بذي الحليفة، فإنه إذا ذهب إلى مكة سيرجع ماراً بميقاته الأصلي: الجحفة، أو يحاذيه. ((التاج والإكليل)) للمواق (٣/ ٣٦)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (٢/ ٣٠٣).
(١٠) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (٣/ ٢٠٨ - ٢٠٩)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٤٠١).
(١١) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (٣/ ٢٠٨ - ٢٠٩)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٤٠١).
(١٢) منهم: الثوري والليث بن سعد. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (١٥/ ١٤٧).
(١٣) وقد حكى النووي ((الإجماع)) على ذلك، وأنه لا خلاف في المسألة، فتعقبه ابن حجر بوقوع الخلاف، وحمل قوله على أنه يحتمل أنه أراد أنه لا خلاف في المذهب الشافعي. ((شرح النووي على مسلم)) (٨/ ٨٣)، ((فتح الباري)) لابن حجر (٣/ ٣٨٦).
(١٤) ((فتح الباري)) لابن حجر (٣/ ٣٨٦).
(١٥) ((سبل السلام)) للصنعاني (٢/ ١٨٦).
(١٦) قال ابن عثيمين: (والأحوط الأخذ برأي الجمهور؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))، فوقت هذا لمن أتى عليه، فيكون هذا الميقات الفرعي كالميقات الأصلي في وجوب الإحرام منه، والقول بهذا لا شك بأنه أحوط وأبرأ للذمة) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>