للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المواقيت: ((هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن كان يريد حجا أو عمرة)) رواه البخاري، ومسلم (١).

وجه الدلالة:

أن الحديث يدل بعمومه على أن من مر بميقات فهو ميقاته، فالشامي مثلاً إذا أتى ذا الحليفة فهو ميقاته، يجب عليه أن يحرم منه. ولا يجوز له أن يجاوزه غير محرم.

ثانياً: أن هذه المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم، فكل من مرّ بجانب من جوانبه لزمه تعظيم حرمته، وإن كان بعض جوانبه أبعد من بعض (٢).

المطلب السادس: حكم التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية:

التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية جائز بالإجماع، فيما نقله ابن المنذر (٣)، والمرغيناني (٤)، والنووي (٥)، لكنه يكره، وهو مذهب المالكية (٦)، والحنابلة (٧)، واختاره ابن باز (٨) وابن عثيمين (٩).

الأدلة:

أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الميقات، وهذا مجمع عليه، ولا يفعل إلا الأفضل، وقد حج مرة، واعتمر مراراً، وقد ترك النبي صلى الله عليه سلم الإحرام من مسجده الذي الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وأحرم من الميقات، فلا يبقى بعد هذا شك في أن الإحرام من الميقات أفضل (١٠).

ثانياً: أنه لو كان الأفضل الإحرام من قبل الميقات لكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يحرمون من بيوتهم، ولما تواطؤوا على ترك الأفضل، واختيار الأدنى، وهم أهل التقوى والفضل، وأفضل الخلق، ولهم من الحرص على الفضائل والدرجات ما لهم (١١).

ثالثاً: إنكار عمر وعثمان رضي الله عنهما الإحرام قبل المواقيت:


(١) رواه البخاري (١٥٢٤)، ومسلم (١١٨١).
(٢) ((سبل السلام)) للصنعاني (٢/ ١٨٦).
(٣) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: ٥١).
(٤) قال برهان الدين المرغيناني: (يجوز التقديم عليها بالاتفاق) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (١/ ١٣٦).
(٥) قال النووي: (أجمع من يعتد به من السلف والخلف من الصحابة فمن بعدهم على أنه يجوز الإحرام من الميقات ومما فوقه، وحكى العبدري وغيره عن داود أنه قال: لا يجوز الإحرام مما فوق الميقات، وأنه لو أحرم مما قبله لم يصح إحرامه، ويلزمه أن يرجع، ويحرم من الميقات، وهذا الذي قاله مردود عليه بإجماع من قبله) ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٠٠).
(٦) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (١٥/ ١٤٣)، ((تفسير القرطبي)) (٢/ ٣٦٦).
(٧) ((الفروع)) لابن مفلح (٥/ ٣١٤)، ((الإنصاف)) للمرداوي (٣/ ٣٠٤).
(٨) قال ابن باز: (الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحري والاحتياط خوفاً من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٧/ ٤٨).
(٩) قال ابن عثيمين: (حكم الإحرام قبل المواقيت مكروه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتها، وكون بعض الناس يحرم قبل أن يصلها فيه شيء من التقدم على حدود الله تعالى، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصيام: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم، أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من الحدود الزمانية والمكانية، ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها فإن إحرامه ينعقد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢١/ ٣٨٠).
(١٠) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (١٥/ ١٤٥)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (١/ ٣٢٤)، ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٠١)، ((الفروع)) لابن مفلح (٥/ ٣١٤).
(١١) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (٣/ ٢٢٢)، ((الفروع)) لابن مفلح (٥/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>