للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا بأس أن يغسل المحرم رأسه، ويخلله ويحكه برفق (١)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (٢)، والشافعية (٣)، والحنابلة (٤)، والظاهرية (٥)، وقول للمالكية (٦)، وهو قول جماعة من السلف (٧) , وبه قال ابن المنذر (٨)، واختاره النووي (٩)، وابن عثيمين (١٠).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

١ - عن عبدالله بن حنين: ((أن عبدالله بن العباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال عبدالله بن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني عبدالله بن العباس إلى أبي أيوبٍ الأنصاري، فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبدالله بن حنين، أرسلني إليك عبدالله بن العباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم، فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسانٍ يصب عليه: اصبب، فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، وقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل)) (١١).

٢ - عن عائشة رضي الله عنها ((أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة، فقالت: يا رسول الله، هذه ليلة عرفة وإنما كنت تمتعت بعمرة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: انقضي رأسك، وامتشطي، وأمسكي عن عمرتك)) (١٢).

وجه الدلالة:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تنقض رأسها، وتمتشط وهي محرمة (١٣).

ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول: أميطوا عنكم الأذى فإن الله لا يصنع بأذاكم شيئا)) (١٤).

- أنه قول ابن عباس، والمسور بن مخرمة، وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم، كما تقدم ذكر ذلك عنهم في القصة التي جرت بينهم في الأبواء.


(١) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء في أن للمحرم أن يحك جسده وأن يحك رأسه حكًّا رقيقاً لئلا يقتل قملة أو يقطع شعرة) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (٤/ ١٦٠).
(٢) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (٣/ ٩).
(٣) ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٤٨)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (١/ ٥٢٢).
(٤) ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٤٢٣).
(٥) ((المحلى)) لابن حزم (٧/ ٢٤٦،٢٤٧ رقم ٨٩١).
(٦) ((الكافي)) لابن عبدالبر (١/ ٣٨٧).
(٧) ذكر ابن حزم عن سالم بن عبدالله بن عمر قال: ((رأى عمر بن الخطاب بعض بنيه، أحسبه قال عاصم بن عمر وعبدالرحمن بن زيد بن الخطاب, وهو جالسٌ على ضفة البحر, وهما يتماقلان وهم محرمون: يغيب هذا رأس هذا ويغيب هذا رأس هذا: فلم يعب عليهما)) ((المحلى)) (٧/ ٢٤٦). وذكر أيضا عن ابن عباس قال: ((كنت أطاول عمر بن الخطاب النفس ونحن محرمان في الحياض))، وفي رواية: ((لقد رأيتني أماقل [المماقلة: التغطيس في الماء] عمر بن الخطاب بالجحفة ونحن محرمان)) ((المحلى)) (٧/ ٢٤٧). وعن أبي مجلز قال: ((رأيت ابن عمر يحك رأسه وهو محرم، ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف أنامله)) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٣/ ٨٣٥)، والبيهقي (٥/ ٦٤) (٩٤٠٧). قال ابن المنذر: (رخص في حك المحرم رأسه: جابر، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير، وكان ابن عمر يحك: بأنامله، ورخص فيه الشافعي، وأصحاب الرأي، وإسحاق وقالا: بقول ابن عمر، وقال الثوري: ارفق برأسك إذا حككته، وكذلك قال أصحاب الرأي) ((الإشراف)) (٣/ ٢٦٥)، وينظر ((المحلى)) لابن حزم (٧/ ٢٤٧)، ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٤٨).
(٨) قال ابن المنذر: (هو مباح). ((الإشراف)) (٣/ ٢٦٥) وينظر ((المجموع)) للنووي (٧/ ٢٤٨).
(٩) قال النووي: (حك المحرم رأسه فلا أعلم خلافاً في إباحته بل هو جائز، وبه قال ابن المنذر ولم يذكر فيه خلافاً لكن قالوا برفق لئلا ينتف شعر) ((المجموع)) للنووي (باختصار ٧/ ٢٤٨).
(١٠) قال ابن عثيمين: (لا يحرم على المحرم أن يحك رأسه، إلا إن حكه ليتساقط الشعر فهو حرام، لكن من حكه بدافع الحكة ثم سقط شيءٌ بغير قصد، فإنه لا يضره، وقيل: لعائشة رضي الله عنها: ((إن قوما يقولون بعدم حك الرأس؟ قالت: لو لم أستطع أن أحكه بيدي لحككته برجلي))، وهذا منها رضي الله عنها من المبالغة في الحل، ورأيت كثيراً من الحجاج إذا أراد أن يحك رأسه، نقر بأصبعه على رأسه خوفاً من أن يتساقط شعره، وهذا من التنطع) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ١٢٢).
(١١) رواه البخاري (١٨٤٠)، ومسلم (١٢٠٥).
(١٢) رواه البخاري (٣١٦)، ومسلم (١٢١١).
(١٣) ((المحلى)) لابن حزم (٧/ ٢٤٧).
(١٤) روى أوله البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (١٨٤٠)، ورواه موصولاً الدارقطني في ((السنن)) (٢/ ٢٣٢)، والبيهقي (٥/ ٦٢) (٩٣٩٢). صحح إسناده العيني في ((عمدة القاري)) (٩/ ٢٢٠)، والألباني في ((حجة النبي)) (٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>