للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يشترط تعيين نوع الطواف إذا كان في نسك من حج أو عمرة, فلو طاف ناسيا أو ساهياً عن نوع الطواف أجزأه عن الطواف المشروع في وقته، ما دام أنه قد نوى النسك الذي هو فيه: العمرة أو الحج، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (١) , والمالكية (٢)، والشافعية في الأصح (٣) , واختاره الشنقيطي (٤) ,وابن عثيمين (٥).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

١ - أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع بعدما دخلوا معه وطافوا وسعوا أن يفسخوا حجهم ويجعلوه عمرة، وكان منهم القارن والمفرد، وإنما كان طوافهم عند قدومهم طواف القدوم، وليس بفرض، وقد أمرهم أن يجعلوه طواف عمرة، وهو فرض (٦).

٢ - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلن لأصحابه، أو يأمرهم بإعلام الطائفين بأن هذا طواف للقدوم، وذلك طواف للإفاضة، بل كان يؤدي المناسك ويقول: ((لتأخذوا مناسككم)) (٧)، ولا شك أن كثيرا ممن حج معه صلى الله عليه وسلم لم يكن مستحضرا أن الطواف بعد الوقوف بعرفة، هو طواف الزيارة، وهو الطواف الركن، وإنما كانوا يتابعون النبي صلى الله عليه وسلم في مناسكه (٨).

ثانياً: أنَّ نية النسك تشمل أعمال المناسك كلها بما فيها الطواف بأنواعه، فلا يحتاج إلى نية، كما أن الصلاة تشمل جميع أفعالها، ولا يحتاج إلى النية في ركوع ولا غيره (٩).

ثالثاً: أن أركان الحج والعمرة لا تحتاج إلى تعيين النية، كالوقوف بعرفة، والإحرام، والسعي، والطواف ركن في النسك بالإجماع، فلا يفتقر إلى تعيين النية (١٠).


(١) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٢٨)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٢/ ٤٩٥)، ((حاشية ابن عابدين)) (٢/ ٥٢٣).
(٢) استثنى المالكية طواف القدوم، فيجب فيه عدم نية النفلية، وذلك لأنه واجب عندهم. ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١٢٤)، ((حاشية الدسوقي)) (٢/ ٣٦).
(٣) ((المجموع)) للنووي (٨/ ١٦).
(٤) قال الشنقيطي: (أظهر أقوال العلماء، وأصحها إن شاء الله أن الطواف لا يفتقر إلى نية تخصه; لأن نية الحج تكفي فيه، وكذلك سائر أعمال الحج كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والسعي، والرمي كلها لا تفتقر إلى نية؛ لأن نية النسك بالحج تشمل جميعها، وعلى هذا أكثر أهل العلم) ((أضواء البيان)) (٤/ ٤١٤).
(٥) قال ابن عثيمين: (قال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل تشترط نية الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال: الصلاة فيها ركوع، وسجود، وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة، بل تكفي النية الأولى، وعلى هذا فإذا نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة, فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف، وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط تعيين الطواف ما دام متلبساً بالنسك) ((الشرح الممتع)) (٧/ ٢٥١). وقال أيضاً: (الطواف، والسعي، والرمي، وما أشبهها كلها تعتبر أجزاء من عبادة واحدة، وأن النية في أولها كافية عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادة مركبة من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها) ((الشرح الممتع)) (٧/ ٣٣٨).
(٦) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥٣/ ٢٢١ (.
(٧) رواه مسلم (١٢٩٧)
(٨) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥٣/ ٢٢١ (.
(٩) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥٣/ ٢١٩ (.
(١٠) ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١٢٤)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (٥٣/ ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>