للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الأول: يجوز السعي راكباً، ولا شيء عليه، وهذا مذهب الشافعية (١)، وهو قول طائفةٍ من السلف (٢)، واختاره ابن حزم (٣)، وابن قدامة (٤)، والشنقيطي (٥)، وابن باز (٦).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

١ - ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً وسعى راكباً)) (٧)، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا ما يسوغ فعله (٨).

٢ - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد. حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل)) (٩).

ثانياً: أن الله تعالى أمر بالسعي مطلقاً، فكيفما أتى به أجزأه، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل.

القول الثاني: لا يجوز السعي راكباً من غير عذر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (١٠)، والمالكية (١١)، والحنابلة (١٢)، وبه قال الليث ابن سعد وأبو ثور (١٣)، وابن عثيمين (١٤).

الأدلة:

أولاً: أن السعي بين الصفا والمروة فرض، فالقياس أن يجب المشي فيه إلا لعذر (١٥).

ثانياً: أنه لا دليل على جواز السعي راكباً، وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما كان لعذرٍ فلا يلحق به من لا عذر له.


(١) قال النووي: (اتفقوا على أن السعي راكباً ليس بمكروه، لكنه خلاف الأفضل؛ لأن سبب الكراهة هناك عند من أثبتها خوف تنجس المسجد بالدابة وصيانته من امتهانه بها، هذا المعنى منتفٍ في السعي، وهذا معنى قول صاحب الحاوي الركوب في السعي أخف من الركوب في الطواف) ((روضة الطالبين)) للنووي (٣/ ٩١)، ((المجموع)) (٨/ ٧٥،٧٧)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (٢/ ١٩٠).
(٢) قال ابن المنذر: (كان أنس بن مالك يطوف بينهما على حمار، وقد روينا عن عطاء، ومجاهد أنهما سعيا على دابتين، وقال الشافعي: يجزيه إن فعل ذلك) ((الإشراف)) (٣/ ٢٩٤). وانظر: ((المجموع)) للنووي (٨/ ٧٧).
(٣) قال ابن حزم: (والطواف والسعي راكباً جائز، وكذلك رمي الجمرة لعذرٍ ولغير عذر) ((المحلى)) (٧/ ١٨٠).
(٤) قال ابن قدامة: (فأما السعي راكباً فيجزئه لعذرٍ ولغير عذر) ((المغني)) (٣/ ١٩٩).
(٥) قال الشنقيطي: (اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم دليلاً أنه لو سعى راكباً أو طاف راكباً أجزأه ذلك) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (١/ ٣٢١).
(٦) قال ابن باز: (وإن سعى راكباً فلا حرج، ولا سيَّما عند الحاجة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٧/ ٤٢٩).
(٧) الحديث رواه مسلم (١٢٦٤)، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
(٨) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (١/ ٣٢٢).
(٩) رواه مسلم (١٢٦٤).
(١٠) ((المبسوط)) للسرخسي (٤/ ٧٨) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٣٤)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي وإلا فعليه دم.
(١١) ((المدونة)) لسحنون (١/ ٤٢٨)، ((الذخيرة)) للقرافي (٣/ ٢٥٣)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١٥١)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي وإلا فعليه دم.
(١٢) ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٤٨١) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (١/ ٥٧٣)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي.
(١٣) قال ابن عبدالبر: (وقال الليث بن سعد: الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة سواء، لا يجزئ واحدٌ منهما راكباً، إلا أن يكون له عذر، وكذلك قال أبو ثور: من سعى بين الصفا والمروة راكباً لم يجزه، وعليه أن يعيد، ثم قال: قول مالك والليث بن سعد وأبي ثور أسعد بظاهر الحديث وأقيس في قول من أوجب السعي بين الصفا والمروة فرضاً) ((التمهيد)) (٢/ ٩٦).
(١٤) قال ابن عثيمين: (طواف الإنسان محمولاً أو الطواف بالعربية وكذلك السعي بالعربية فيه خلافٌ بين العلماء منهم من يقول: لا يجزئ إلا لعذر، ومنهم من يقول يجوز للحاجة كتعليم الناس، والذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا لعذرٍ كالمريض، أو رجل تعبان أيضاً ورجل يعلم الناس يطاف به محمولاً يعلم الناس كيفية الطواف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين طاف على بعيره ليراه الناس ليتأسوا به، وأما بدون عذرٍ فلا يجوز) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (٢٤/ ١٠٠).
(١٥) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (٢/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>