للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: أن خطبة عرفة خطبة واحدة، وهذا مذهب الحنابلة (١)، واختاره ابن القيم (٢)، وابن عثيمين (٣).

الدليل:

عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا ... )) (٤).

وجه الدلالة:

أنه ليس فيه إلا خطبة واحدة (٥).

المبحث الرابع: الجمع بين الصلاتين يوم عرفة

المطلب الأول: الجمع بين الصلاتين يوم عرفة

يسن للحاج الجمع بين الظهر والعصر بعرفة تقديمًا في وقت الظهر.

الدليل:

فعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر، وفيه: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا)) (٦).

عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم، أن الحجاج بن يوسف، عام نزل بابن الزبير رضي الله عنهما، سأل عبدالله رضي الله عنه، كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: ((إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبدالله بن عمر: صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة، فقلت لسالم: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سالم: وهل تتبعون في ذلك إلا سنته)) (٧).

الإجماع:

نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (٨)، وابن عبدالبر (٩)، والنووي (١٠)،وابن دقيق العيد (١١)، وابن تيمية (١٢).

المطلب الثاني: سبب الجمع بعرفة والمزدلفة

اختلف أهلُ العلم في سبب الجمع بعرفة والمزدلفة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن سبب الجمع بعرفة والمزدلفة السفر، فلا يجمع من كان دون مسافة قصر، كأهل مكة، وهذا مذهب الشافعية (١٣)، والحنابلة (١٤) (١٥).

الأدلة:


(١) ((الإقناع)) لابن قدامة (١/ ٣٨٧)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٤٩١).
(٢) قال ابن القيم: (خطب خطبة واحدة، ولم تكن خطبتين، جلس بينهما). ((زاد المعاد)) لابن القيم (٢/ ٢٣٤).
(٣) قال ابن عثيمين: ((حديث جابر ليس فيه إلا خطبة واحدة)). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٥/ ١١).
(٤) رواه مسلم (١٢١٨)
(٥) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٥/ ١١).
(٦) رواه مسلم (١٢١٨)
(٧) رواه البخاري (١٦٦٢)
(٨) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة يوم عرفة، كذلك من صلى وحده). ((الإجماع)) لابن المنذر (٥٧).
(٩) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن الجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة مع الإمام سنة مجتمع عليها). ((الاستذكار)) لابن المنذر (٤/ ٣٢٥).
(١٠) قال النووي: (أجمعت الأمة على أن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر إذا صلى مع الامام). ((المجموع)) للنووي (٨/ ٩٢)، ((شرح النووي على مسلم)) (٨/ ١٨٤، ١٨٥).
(١١) قال ابن دقيق العيد: (لا خلاف في جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة). ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: ٢٢٠).
(١٢) قال ابن تيمية: (النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بعرفة في وقت الأولى، وهذا الجمع ثابت بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه) ((جامع المسائل لابن تيمية)) لعزير شمس (٦/ ٣٣٦).
(١٣) قال النووي: (قال أكثر أصحاب الشافعي هو بسبب السفر فمن كان حاضرا أو مسافرا دون مرحلتين كأهل مكة لم يجز له الجمع كما لا يجوز له القصر). ((شرح النووي على مسلم)) (٨/ ١٨٥،١٨٧)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (٤/ ٣٧١)، ((روضة الطالبين)) للنووي (١/ ٣٩٦).
(١٤) ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٥)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (١/ ٢٩٨).
(١٥) وبه قال طائفة من السلف، منهم: سالم بن عبدالله، الأوزاعي، وأبو يوسف، وأشهب، وفقهاء أصحاب الحديث. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (١٢/ ٢٠٣)، ((شرح النووي على مسلم)) (٨/ ١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>