للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: أن الجمع بعرفة كان لمصلحة طول زمن الوقوف والدعاء، لأن الناس يتفرقون في الموقف, فإن اجتمعوا للصلاة شق عليهم، وإن صلوا متفرقين فاتت مصلحة كثرة الجمع، أما في مزدلفة فهم أحوج إلى الجمع، لأن الناس يدفعون من عرفة بعد الغروب فلو حبسوا لصلاة المغرب فيها لصلوها من غير خشوع, ولو أوقفوا لصلاتها في الطريق لكان ذلك أشق فكانت الحاجة داعية إلى تأخير المغرب لتجمع مع العشاء هناك، وفي هذا مصلحة في الجمع بين المحافظة على الخشوع في الصلاة ومراعاة أحوال العباد (١).

المطلب الثالث: هل يقصر المكي في عرفة والمزدلفة؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: لا يقصر المكي، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (٢)، والشافعية في الأصح (٣)، والحنابلة (٤)، وبه قال جمهور السلف (٥)، واختاره داود الظاهري (٦).

ودليل ذلك:

أن المكي غير مسافر، فحكمه حكم المقيم، فيتم الصلاة، ولا يقصر، وإنما يقصر من كان سفره سفراً تقصر في مثله الصلاة، والمعروف أن عرفة، وهي أبعد المشاعر عن مكة ليست كذلك (٧).


(١) قال ابن تيمية: (ومعلوم أنه قد كان يمكنه أن يترك العصر فيصليها في وقتها المختص، لكن عدل عن ذلك إلى أن قدمها مع الظهر لمصلحة تكميل الوقوف، لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بأن اتصال الوقوف إلى المغرب بغير قطع له بصلاة العصر في أثنائه أحب إلى الله من أن يصلي العصر في وقتها الخاص، ولو أخر مؤخر العصر وصلاها في الوقت الخاص وقطع الوقوف لأجزأه ذلك فيما ذكره العلماء من غير نزاع أعلمه، ولكن ترك ما هو أحب إلى الله ورسوله، فإنه لو قطع الدعاء والذكر لبعض أعماله المباحة ووقف إلى المغرب لم يبطل بذلك حجه، فأن لا يبطل بترك ذلك لصلاة العصر أولى وأحرى. ودلت هذه السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن الجمع يكون للحاجة والمصلحة الشرعية، فلما لم يكن لمجرد السفر فلم يكن لمجرد النسك). ((جامع المسائل)) لابن تيمية (٦/ ٣٣٦، ٣٣٧).وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (١٢/ ٢٥٦).
(٢) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٥٢)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٤/ ٤٤).
(٣) ((المجموع)) للنووي (٤/ ٣٧١)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (١/ ٤٩٦).
(٤) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٦٧)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٥).
(٥) منهم: عطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والثوري، الثوري, ويحيى القطان، وأبو ثور, وإسحاق، وابن المنذر. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (١٠/ ١٤)، ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٦٧)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (٤/ ٤٤٠).
(٦) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (١٠/ ١٤).
(٧) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (١٠/ ١٤)، ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٦٧)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (٤/ ٤٣٩)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٤/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>