للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: أنه لو كان أهل مكة قاموا فأتموا وصلوا أربعاً وفعلوا ذلك بعرفة ومزدلفة وبمنى أيام منى لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بالضرورة؛ بل لو أخروا صلاة العصر ثم قاموا دون سائر الحجاج فصلوها قصراً لنقل ذلك فكيف إذا أتموا الظهر أربعاً دون سائر المسلمين, وأيضاً فإنهم إذا أخذوا في إتمام الظهر والنبي صلى الله عليه وسلم قد شرع في العصر لكان إما أن ينتظرهم فيطيل القيام, وإما أن يفوتهم معه بعض العصر بل أكثرها؛ فكيف إذا كانوا يتمون الصلوات؟ (١).

ثالثاً: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((أنه لما قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم انصرف فقال: يا أهل مكة، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر)) (٢).

وجه الدلالة:

أنه صلى بهم بعد ذلك بمنى ركعتين ولم يرو عنه أنه قال لأهل مكة شيئاً (٣).

رابعاً: أن لهم الجمع، فكان لهم القصر كغيرهم (٤).

خامساً: أن في تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي فيها قصر الصلاة عند الجميع؛ فإن عمل الحج إنما يتم في أكثر من يوم وليلة مع لزوم الانتقال من محل لآخر فلفق بينها ما يحصل به مسافة القصر سواء كان التحديد بالمسافة أو بالزمن (٥).

سادساً: أنها منازل السفر وإن لم تكن سفراً, تقصر فيه الصلاة، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بمكة إلى يوم التروية وذلك أربع ليال ثم خرج فقصر بمنى (٦).

سابعاً: أن كل ما يطلق عليه اسم السفر لغة تقصر فيه الصلاة، أما تحديد مسافة القصر لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم (٧).

ثامناً: أنه لو كان سبب الجمع والقصر النسك لكانوا إذا حلوا التحلل الثاني لم يحل لهم أن يقصروا في منى، ولو كان سببه النسك، لكانوا إذا أحرموا في مكة بحج أو عمرة جاز لهم الجمع والقصر (٨).

المطلب الرابع: هل يجمع ويقصر من صلى وحده؟


(١) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٤/ ٤٣).
(٢) رواه مالك في ((الموطأ)) (١/ ١٤٩)، والبيهقي (٣/ ١٢٦) , قال النووي في ((المجموع)) (٨/ ٩٢): (إسناده صحيح)، وصححه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (٢٤/ ١٢٥)
(٣) قال ابن تيمية: (وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قاله لأهل مكة لما صلى في جوف مكة) وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٤/ ٤٣)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (٤/ ٤٣٩).
(٤) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٦٧).
(٥) ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١٧١).
(٦) ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ١٧٣).
(٧) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (٤/ ٤٤٠).
(٨) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>