للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أن الطواف نسك يفعل في الحج فكان آخره محدد؛ كالوقوف والرمي (١).

٣ - أنه أدخل نقصاناً بتأخير الطواف عن وقته، فيجبر بدم كتأخير أركان الصلاة.

القول الثاني: يجب أداؤه قبل خروج شهر ذي الحجة، فإذا خرج لزمه دم، وهذا مذهب المالكية (٢) (٣).

الأدلة:

١. قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: ١٩٧] ,

وجه الدلالة:

في الآية دليل على أن الحج مؤقت بأشهر محددة لا يجوز تأخيره عنها, وتأخير الطواف إلى محرم، فعل للركن في غير أشهر الحج.

القول الثالث: لا يلزمه شيء بالتأخير أبداً، وهذا مذهب الشافعية (٤)، والحنابلة (٥)، وبه قال طائفة من السلف (٦)، واختاره ابن المنذر (٧) , وابن باز (٨).

الدليل:

أن الله أمر بالطواف أمراً مطلقاً، ولم يرد دليل يؤقت طواف الإفاضة كغيره من الأعمال، والأصل في ذلك براءة الذمة، وعدم التحديد.

المطلب الرابع: الشرب من ماء زمزم والتضلع منه بعد الطواف

يشرع (٩) الشرب من ماء زمزم والتضلع منه عند الفراغ من طواف الإفاضة (١٠).

الأدلة:

١. عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط من الحجر، وصلى ركعتين، ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصبَّ على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن ... )) (١١).

٢ - عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: ((لما حجَّ معاوية رضي الله عنه حججنا معه، فلما طاف بالبيت، وصلى عند المقام ركعتين، ثم مرَّ بزمزم وهو خارج إلى الصفا، فقال: انزع لي منها دلواً يا غلام، فنزع له منها دلواً، فأتي به فشرب منه، وصب على وجهه ورأسه، وهو يقول: زمزم شفاء، وهي لما شرب له)) (١٢).


(١) قال ابن قدامة: (وأما آخر وقته فاحتج بأنه نسك يفعل في الحج، فكان آخره محدودا، كالوقوف والرمي) ((المغني)) (٣/ ٣٩١).
(٢) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (١/ ٣٧٦) , ((مواهب الجليل)) (٤/ ٢٢).
(٣) وافق الشيخ ابن عثيمن المالكية في عدم جواز تأخير طواف الإفاضة إلى خروج ذي الحجة, إلا أنه لم يذكر وجوب الدم على من فعل ذلك، ويقول في ذلك: (يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج لآخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين)) (٢١/ ٣٧٩).
(٤) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (٨/ ٢٢٤).
(٥) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (٣/ ٤٦٦) , ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (١/ ٥٨٨) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٥٠٣).
(٦) منهم: عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور. ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (٨/ ٢٢٤).
(٧) قال ابن المنذر: (أحب أن لا يؤخر عن يوم النحر، فإن أخره وطاف بعد أيام التشريق أجزأه ولا شيء عليه) ((الإشراف)) لابن المنذر (٣/ ٣٦٢).
(٨) قال ابن باز: (لا دليل لمن قال بعدم جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة، والصواب جواز التأخير، ولكن الأولى المبادرة به). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١٦/ ١٤٨).
(٩) قال ابن عثيمين: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طاف طواف الإفاضة يوم العيد شرب من ماء زمزم، ولهذا استحب العلماء أن يشرب من ماء زمزم بعد طواف الإفاضة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٣/ ٢١٨). وقال أيضا: (اختلف العلماء رحمهم الله هل الرسول صلى الله عليه وسلم شرب ذلك تعبداً، أو محتاجاً للشرب، هذا محل تردد عندي، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة، فما دامت المسألة مشكوك هل هي عبادة، أو طبيعة فلا نقول: إنه يشرع إلا لو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن الممكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما طاف احتاج إلى الشرب، ولهذا لم يبلغني أنه عليه الصلاة والسلام شرب حين طاف للعمرة: عمرة الجعرانة، وعمرة القضاء، وصلى الله عليه وسلم هذا ففيه احتمال قوي جدًّا أنه شربه لحاجته إليه، فالذين لم يذكروه لأنهم لا يرون أنه مشروع، وإنما احتاج الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشرب فشرب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (٢٣/ ٢٢٠).
(١٠) وقد أشار الشافعية والحنابلة إلى أنه يكون بعد طواف الإفاضة. ((مغني المحتاج)) (١/ ٥٠٣)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٥٠٦) وهذا الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عابدين: (وقال هنا ولم يذكر في كثير من الكتب إتيان زمزم والملتزم فيما بين الصلاة والتوجه إلى الصفا ولعله لعدم تأكده) ((حاشية ابن عابدين)) (٢/ ٥٠٠).
(١١) رواه أحمد (٣/ ٣٩٤) (١٥٢٨٠). والحديث جود إسناده ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (١١/ ٤٥٩)، والعيني في ((عمدة القاري)) (٩/ ٣٩٨)، وقال شعيب الأرناؤوط في ((تحقيق مسند أحمد)): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(١٢) رواه الفاكهي في ((أخبار مكة)) (١٠٩٦). قال ابن حجر في ((ماء زمزم)) (٣٢): (إسناده حسن مع كونه موقوفاً، وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه هذا الحديث).

<<  <  ج: ص:  >  >>