للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من فاته الحج النفل لزمه القضاء، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (١)، والمالكية (٢)، والشافعية (٣)، والحنابلة (٤)، وحُكيَ فيه الإجماع (٥).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

١ - قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: ١٩٦].

وجه الدلالة:

أن الآية تقتضي إيجاب النسك بالدخول فيه، فيلزمه القضاء بالخروج منه قبل إتمامه (٦).

٢ - قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: ٢٩].

وجه الدلالة:

أنه لما شرع وأحرم بالنسك صار ذلك واجباً، كأنما نذره نذرا، وهذا هو معنى قوله: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج: ٢٩] (٧).

ثانياً: إجماع الصحابة (٨)، نقله الماوردي (٩)، وابن قدامة (١٠).

ومما ورد في الباب من الآثار:

١ - عن الأسود بن يزيد: ((أن رجلاً فاته الحج , فأمره عمر بن الخطاب أن يحل بعمرة , وعليه الحج من قابل)) (١١)، وفي رواية: ((قال الأسود: مكثت عشرين سنة ثم سألت زيد بن ثابت عن ذلك؟ فقال: مثل قول عمر)).

٢ - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (١٢).

وجه الدلالة من هذه الآثار:

أن عمومها يشمل الفرض والنفل (١٣).

ثالثاً: أن الحج يلزم بالشروع فيه، فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات (١٤).


(١) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (٢/ ٨٢)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (٣/ ٦١).
(٢) ((مواهب الجليل)) لحطاب (٤/ ٣٠١)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (٢/ ٩٦).
(٣) ((المجموع)) للنووي (٨/ ٢٨٥).
(٤) هذا المذهب، وعن أحمد رواية: (أنه لا قضاء عليه، بل إن كانت فرضاً فعلها بالوجوب السابق، وإن كانت نفلاً سقطت. وروي هذا عن عطاء، وهو إحدى الروايتين عن مالك؛ لأنه لو وجب القضاء لكان الحج واجباً أكثر من مرة، ولأنه معذور في ترك إتمام حجه، فلم يلزمه القضاء كالمحصر، ولأنها عبادة تطوع، فلم يجب قضاؤها، كسائر التطوعات) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٤٥٥)، ((الإنصاف)) للمرداوي (٤/ ٤٧)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٥٢٤).
(٥) قال ابن نجيم: (لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذراً أو تطوعاً، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة، فدليلها الإجماع) ((البحر الرائق)) (٣/ ٦١). ووصفه ابن رشد القول بعدم الوجوب بالشذوذ فقال: (شذ قوم فقالوا: لا هدي أصلاً ولا قضاء إلا أن يكون في حج واجب) ((بداية المجتهد)) (١/ ٣٧٠).
(٦) ((أحكام القرآن)) للجصاص (١/ ٣٤٨).
(٧) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (٧/ ٤١٣).
(٨) روي ذلك عن عمر، وابنه، وزيد، وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم. ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٤٥٥)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (٣/ ٥١٠).
(٩) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٢٣٩).
(١٠) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٤٥٥).
(١١) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٣/ ٦٣٣)، والبيهقي (٥/ ١٧٥) (١٠١٠٧). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (٨/ ٢٩١)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (٤/ ٣٤٦)
(١٢) رواه البيهقي (٥/ ١٧٤) (١٠١٠٤) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (٨/ ٢٩٠)
(١٣) ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٥٢٤).
(١٤) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٤٥٥)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٥٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>