للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن المراد بكون الحج عرفة أنه الركن الذي إذا أدركه فقد أدرك الركن الذي يفوت الحج بفواته، ويسقط به الفرض (١).

ثانياً: أنه لما وقف بعرفة فقد فعل ما له حكم الكل، وأمكنه التحلل بالحلق يوم النحر عن كل محظور سوى النساء، فلم يلزم امتداد الإحرام الموجب للحرج، ولم يبق عليه إلا الإفاضة التي يصح الإتيان بها في أي وقت من الزمان، ولا يعجز المحصر عن ساعة من ليل أو نهار يجد بها فرصة قدر الطواف مختفياً في زمان قدر شهر، والمنع من النساء في هذا المقدار لا يستلزم حرجاً يبيح الإحلال مطلقاً بغير الطريق الأصلي (٢).

القول الثاني: أنه يكون محصراً، ويتحلل، وهذا مذهب الشافعية في الأظهر (٣).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب:

قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: ١٩٦.]

وجه الدلالة:

أن عموم الآية يشمل من أحصر عن عرفة أو أحصر عن البيت (٤).

ثانياً: أنه إحرام تام، فجاز له التحلل منه قياساً على ما قبل الوقوف بعرفة (٥).

ثالثا: أنه لما جاز أن يتحلل بالإحصار من جميع الأركان، كان تحلله من بعضها أولى (٦).

القول الثالث: أنه إن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة قبل رمي الجمرة فله التحلل، وإن أحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل، وهذا مذهب الحنابلة (٧).

ودليلهم في التفريق:

أن الإحصار كما يفيد عن جميع أعمال الحج فإنه يفيد عن بعض أركانه، لكن لم يحصل الإحصار بعد رمي جمرة؛ لأن إحرامه بعد الرمي إنما هو عن النساء، والشرع إنما ورد بالتحلل من الإحرام التام، الذي يحرم جميع محظوراته، فلا يثبت بما ليس مثله، فمتى ما زال الحصر أتى بالطواف، وقد تم حجه (٨).

المطلب الثالث: الإحصار عن واجب من واجبات الحج

إذا أحصر عن واجب فلا يتحلل، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (٩)، والمالكية (١٠)، والشافعية (١١)، والحنابلة (١٢)؛ لأنه يمكن جبره بالدم.

المطلب الرابع: الإحصار عن العمرة

يجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الإحصار، وهو مذهب الحنفية (١٣)، والشافعية (١٤)، والحنابلة (١٥)، وبعض المالكية (١٦). وحكى النووي الإجماع على ذلك (١٧).

الأدلة:

أولاً: من القرآن:

- قال تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: ١٩٦] عقيب قوله عز وجل وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة: ١٩٦] فكان المراد منه فإن أحصرتم عن إتمامهما فما استيسر من الهدي (١٨).

ثانياً: من السنة:

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم حصروا بالحديبية، فحال كفار قريش بينهم وبين البيت، وكانوا معتمرين فنحروا هديهم وحلقوا رؤوسهم (١٩)

ثالثاً: أن التحلل بالهدي في الحج لمعنى هو موجود في العمرة، وهو التضرر بامتداد الإحرام (٢٠).


(١) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٣/ ١٣٤)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (٢/ ٩٥).
(٢) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٣/ ١٣٤)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (٣/ ٦٠).
(٣) يعتبر محصراً، فيجب عليه أن يقف بعرفة ثم يتحلل، ويحصل تحلله بما يتحلل به المحصر، وهو الذبح والحلق بنية التحلل فيهما ولا قضاء عليه. ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٤٩)، ((مغني المحتاج)) للرملي (١/ ٥٣٣).
(٤) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٤٩).
(٥) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٤٩).
(٦) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٤٩).
(٧) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٢٩)، (الإنصاف) للمرداوي (٤/ ٥٠).
(٨) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٢٩).
(٩) ((حاشية بن عابدين)) (٢/ ٥٩٣)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (٣/ ٦٠).
(١٠) ((مواهب الجليل)) لحطاب (٤/ ٢٩٧).
(١١) ((مغني المحتاج)) للشربيني (١/ ٥٣٣).
(١٢) ((كشاف القناع)) للبهوتي (٢/ ٥٢٨).
(١٣) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٧٧).
(١٤) ((المجموع)) للنووي (٨/ ٢٩٤)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٤٤).
(١٥) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٣٢٧).
(١٦) كابن القاسم وابن الماجشون. ينظر ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ٢٩٤).
(١٧) قال النووي: (ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الاحصار بلا خلاف ودليل التحلل واحصار العدو نص القرآن والاحاديث الصحيحة المشهورة في تحلل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية وكانوا محرمين بعمرة وإجماع المسلمين على ذلك) ((المجموع)) للنووي (٨/ ٢٩٤).
(١٨) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٧٧).
(١٩) رواه البخاري (٢٧٣١)
(٢٠) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>