للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الأول: إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على صيدٍ فقتله:

اختلف الفقهاء فيما إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على صيدٍ فقتله، على قولين:

القول الأول: إذا دلَّ المحرم حلالاً على صيدٍ فقتله، يلزم المحرم جزاؤه، وهو مذهب الحنفية (١)، والحنابلة (٢)، وبه قال طائفةٌ من السلف (٣)، وهو اختيار ابن تيمية (٤)، والشنقيطي (٥)، وحُكيَ فيه الإجماع (٦).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب أبي قتادة رضي الله عنهم: ((هل منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟)) (٧).

وجه الدلالة:

أنه علَّق الحلَّ على عدم الإشارة؛ فأحرى أن لا يحل إذا دلَّه باللفظ، فقال هناك صيدٌ ونحوه (٨).

ثانياً: أنَّه قول عليٍّ وابن عباس رضي الله عنهما، ولا يُعرَف لهما مخالفٌ من الصحابة رضي الله عنهم (٩).

ثالثاً: أنَّه سببٌ يُتوصَّلُ به إلى إتلاف الصيد؛ فتعلَّق به الضمان؛ فإنَّ تحريم الشيء تحريمٌ لأسبابه (١٠).

القول الثاني: إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على صيدٍ، فإنه يكون مُسيئاً، ولا جزاء عليه، وهو مذهب المالكية (١١)، والشافعية (١٢).

الأدلة:

أولاً: من الكتاب

ظاهر قوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: ٩٥].

وجه الدلالة:

أنَّه علَّق الجزاء بالقتل؛ فاقتضى ألا يجب الجزاء بعدم القتل (١٣).

ثانياً: أنها نفسٌ مضمونةٌ بالجناية؛ فوجب ألاَّ تُضمنَ بالدلالة كالآدمي.

ثالثاً: أنَّ الصيد لا يُضمَن إلا بأحد ثلاثة أشياء: إما باليد، أو بالمباشرة، أو بالتسبب، فاليد أن يأخذ صيداً فيموت في يده فيضمن، والمباشرة أن يباشر قتله فيضمنه، والتسبُّب أن يحفر بئراً، فيقع فيها الصيد فيضمن، والدلالة ليست يداً ولا مباشرةً ولا سبباً (١٤).


(١) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (٣/ ٦٨)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (٣/ ٢٨).
(٢) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٨٨)، ((الإنصاف)) للمرداوي (٣/ ٣٣٦).
(٣) قال ابن قدامة: (ويضمن الصيد بالدلالة، فإذا دلَّ المحرم حلالاً على الصيد فأتلفه، فالجزاء كله على المحرم، روي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء ومجاهد وبكر المزني، وإسحاق، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (٣/ ٢٨٨).
(٤) قال ابن تيمية: (وكما يحرم قتل الصيد تحرم الإعانة عليه بدلالةٍ أو إشارةٍ أو إعارة آلةٍ لصيده أو لذبحه، وإذا أعان على قتله بدلالةٍ أو إشارةٍ أو إعارة آلةٍ ونحو ذلك، فهو كما لو شرك في قتله، فإن كان المعان حلالاً، فالجزاء جميعه على المحرم، وإن كان حراماً اشتركا فيه) ((شرح عمدة الفقه)) (٣/ ١٨٢).
(٥) قال الشنقيطي: (فذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة إلى أن المحرم الدال يلزمه جزاؤه كاملاً ... وهذا القول هو الأظهر) ((أضواء البيان)) (١/ ٤٤٠ - ٤٤١).
(٦) قال عطاء: (أجمع الناس على أن على الدال الجزاء) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (٣/ ٧٠). قال الطحاوي: (ولم يُروَ عن أحدٍ من الصحابة خلاف ذلك؛ فصار ذلك إجماعاً) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (٣/ ٧٠).
(٧) جزء من حديث رواه البخاري (١٨٢٤)، ومسلم (١١٩٦).
(٨) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (٣/ ٧٠).
(٩) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٨٨).
(١٠) ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٢٨٨)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (٢/ ١٩٧).
(١١) ((مواهب الجليل)) للحطاب (٤/ ٢٥٨)، ((حاشية الدسوقي)) (٢/ ٧٧).
(١٢) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٠٦).
(١٣) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (٣/ ٦٩)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٠٧).
(١٤) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (٤/ ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>