للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الآية تقدير (١) آخر، وهو أن يكون هذا الخطاب في الآخرة إذا أحاطت الملائكة بأقطار الأرض، وأحاطَ سُرادق النار بالآفاق، فهرب الخلائق، فلا يجدون مهربًا ولا منفذًا، كما قال تعالى: {وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} [غافر/ ٣٢ - ٣٣]. قال مجاهد: فارّين غير معجزين (٢). وقال الضحاك: إذا سمعوا زفير النار نَدّوا هُرَّابًا (٣)، فلا يأتون قطرًا من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفًا، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه. فذلك (٤) قوله: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة/ ١٧]، وقوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} (٥) [الرحمن/ ٣٣].

وهذا القول أظهر، واللَّه أعلم. فإذا نَدّ (٦) الخلائق وولَّوا مدبرين يقال لهم: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} أي: إن قدرتم أن تتجاوزوا أقطار السماوات والأرض، فتعجزوا ربّكم حتّى لا يقدرَ على عذابكم، فافعلوا.

وكأنّ ما قبل هذه الآية وما بعدها يدلّ (٧) على هذا القول، فإنّ قبلها {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١)} (٨) وهذا في الآخرة. وما


(١) "ط": "تقرير"، تحريف.
(٢) تفسير الطبري (٢٤/ ٦٢).
(٣) "ب، ك، ط": "هربًا".
(٤) "ف": "وذلك"، قراءة محتملة.
(٥) معالم التنزيل (٧/ ١٤٨)، وانظر: تفسير الطبري (٢٧/ ١٣٧).
(٦) "ط": "بده"، تحريف. وقد سقطت واو العطف منها قبل "ولّوا".
(٧) سقط "يدل" من "ط"، واستدرك في القطرية.
(٨) لم تنقل الآية كاملة في "ك، ط".