للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جلسوا يستغفرون ربّهم (١)، وقال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)} [البقرة/ ١٩٩] فأمر سبحانه بالاستغفار بعد الوقوف بعرفة والمزدلفة، وشرع للمتوضئ أن يقول بعد وضوئه: "اللّهُمّ اجْعَلْنِي من التَّوّابينَ واجْعَلْنِي من المتطهرين" (٢). فهذه توبة بعد الوضوء، وتوبة بعد الحجِّ، وتوبة بعد الصلاة، وتوبة بعد قيام الليل. فصاحب هذا المقام مضطرٌّ إلى التوبة والاستغفار كما تبيّن، فهو لا يزال مستغفرًا تائبًا، وكلَّما كثرت طاعاتُه كثرت توبتُه واستغفارُه.

فصل

وجماع الأمر في ذلك إنَّما هو بتكميل عبوديّة اللَّه عزَّ وجلَّ في الظاهر والباطن، فتكون حركات نفسه وجسمه كلّها في محبوبات اللَّه، فكمالُ (٣) عبوديّة العبد موافقتُه لربِّه في محبَّه (٤) ما أحبَّه، وبذلُ الجهدِ في فعله؛ وموافقتُه في كراهة ما كرهه، وبذلُ الجهد في تركه. وهذا إنَّما يكون للنفس المطمئنّة، لا للأمَّارة ولا للّوَّامة. فهذا كمال من جهة الإرادة


(١) تفسير الطبري (٢٦/ ١٩٨).
(٢) أخرجه الترمذي (٥٥) من حديث عمر بن الخطاب وقال: "حديث عمر قد خولف زيد بن الحباب في هذا الحديث. وروى عبد اللَّه بن صالح وغيره عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة بن عامر، عن عمر؛ وعن ربيعة عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عمر. وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الباب كثير شيء" (ز).
(٣) "ك، ط": "وكمال". وقد سقط ما بعد "عبودية" إلى هنا في "ف" لنزول البصر إلى السطر الثاني.
(٤) "ك، ط": "محبّته".