للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مركبه طعامَه وشرابَه! ثمَّ إنَّه عدِمَها في أرض دَوِّيَّةٍ لا أنيس بها ولا معين، ولا من يأوي له ويرحمه ويحمله، ثمَّ إنَّها مَهلَكة لا ماءَ بها ولا طعام. فلمَّا أيسَ من الحياةِ بفقدها، وجلس ينتظر الموت، إذا هو براحلته قد أشرفت عليه، ودنت منه، فأيّ فرحةٍ تعدل فرحةَ هذا؟ ولو كان في الوجود فرحٌ أعظم من هذا لمثَّل به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ومع هذا ففرَحُ اللَّه بتوبة عبده إذا تابَ إليه أعظمُ من فرحِ هذا براحلته.

[قاعدة نافعة في إثبات الصفات] (١)

وتحت هذا سرٌّ عظيمٌ يختصّ اللَّه بفهمه من يشاء، فإن كنتَ ممن غلظ حجابه، وكثفت نفسه وطباعه، فعليكَ بوادي الحمقى (٢)، وهو وادي المحرّفين الكلمَ (٣) عن مواضعه، الواضعين له على غير المراد منه. فهو وادٍ قد سلكه خلق، وتفرَّقوا في شِعابه وطرُقه ومتاهاته، ولم تستقرّ لهم فيه قدم، ولا لجؤوا منه إلى ركنٍ وثيق، بل هم فيه (٤) كحاطب الليل وحاطم السيل (٥).

وإن نجَّاك اللَّه من هذا الوادي، فتأمَّل هذه الألفاظ النبويّة المعصومة التي مقصودُ المتكلّمِ بها غايةُ البيان، مع مصدرها عن كمال العلم باللَّه


(١) العنوان من حاشية "ب".
(٢) "ط": "بوادي الخفا"!
(٣) "ك، ط": "للكلم".
(٤) "فيه": ساقط من "ك، ط".
(٥) حَطْمة السيل وطَحمته بفتح الطاء وضمّها: دُفّاع معظمه. والسيول الطواحم: الدوافع. يقال: أشدّ من حطمة السيل تحت طحمة الليل، وهو معظم سواده. انظر: الأساس والتاج (حطم، طحم).