للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا حكمة، ولا غاية لها يُفعل (١)، بل كلُّ مقدورٍ يحسن منه فعلُه، ولا حقيقة عندهم للقبيح إلا (٢) المستحيل لذاته الذي لا يوصف بالقدرة عليه. وهؤلاءِ نفوا مسمَّى الرحمة والحكمة، وإن أقرُّوا بلفظ لا حقيقة له. وكان شيخهم الجهم بن صفوان يقف بأصحابه على المجذَّمين (٣)، وهم يتقلَّبون في بلائهم، فيقول لهم (٤): أرحمُ الرَّاحمين يفعل مثل هذا! يعني أنَّه ليس في الحقيقة رحمة، وإنَّما هو محضُ مشيئة وصِرْفُ إرادة مجرَّدةٍ عن الحكمة والرحمة.

وهؤلاء قابلوا أصحاب الطريق الثاني، وهم الذين أثبتوا له حكمة وغايةً، وقالوا: لا يفعل شيئًا إلا لحكمة وغاية مطلوبة (٥)، ولكن حجروا عليه سبحانه في ذلك، وشرعوا له شريعةً وضعوها بعقولهم، وظنُّوا أنَّ ما يحسن من خلقه تعالى يحسن منه، وما يقبح منهم يقبح منه، فجعلوا ما أثبتوه له من الحكمة والرحمة من جنس ما هو للخلق. ولهذا كانوا "مشبِّهة الأفعال"، كما أنَّ من شبَّهه بخلقه في صفاته فهو "مشبِّه الصفات"، فاقتسموا التشبيه (٦) نصفين: هؤلاء في أفعاله، وإخوانهم في صفاته.

وقالوا: إنَّه تعالى لو خصَّ بعض عبيده عن بعض بإعطائه توفيقًا


(١) "ط": "تفعل".
(٢) "ط": "لولا"، خطأ.
(٣) "ب، ط": "المجذومين".
(٤) "لهم" ساقط من "ك، ط".
(٥) "ب": "لغاية وحكمة مطلوبة".
(٦) في "ف" مكان "التشبيه": "إلى مشبهة"، تحريف.