للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل [في الغنى وانقسامه إلى عالٍ وسافل]

ولمَّا كان الفقرُ إلى اللَّه عزَّ وجلَّ هو عينَ الغنى به، فأفقرُ النَّاس إلى اللَّه أغناهم به، وأذلُهم له أعزهم، وأضعفهم بين يديه أقواهم، وأجهلهم عند نفسِه أعلمُهم باللَّه، وأمقتهم لنفسه أقربُهم إلى مرضاة اللَّه = كان ذكرُ الغنى باللَّه مع الفقر إليه متلازمَين متناسبَين، فنذكر فصلًا نافعًا في الغنى العالي.

واعلم أنَّ الغنى على الحقيقة لا يكون إلا للَّه (١) الغني بذاته عن كلِّ ما سواه، وكلُّ ما سواه فموسومٌ بسِمَةِ الفقرِ، كما هو موسوم بسمة الخلق والصنع. فكما (٢) أنَّ كونه مخلوقًا أمرٌ ذاتيٌّ له، فكونه فقيرًا أمرٌ ذاتيٌّ له، كما تقدم بيانه (٣). وغناهُ أمرٌ نسبيٌّ إضافيٌّ عارض له، فإنَّه إنَّما استغنى بأمر خارج عن ذاته، فهو غني به فقير إليه. ولا يُوصَف بالغنى على الإطلاق إلا مَن غناهُ من لوازم ذاته، فهو (٤) الغني بذاته عمَّا سواه، وهو الأحد الصمد الغني الحميد.

والغنى قسمان: غنى سافل، وغنى عال، فالغنى السافل: الغنى بالعواريّ المسترَدَّة من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث، وهذا أضعف الغنى،


(١) "ط": "باللَّه".
(٢) "ك، ط": "وكما".
(٣) انظر ما سلف في ص (١٢).
(٤) "ف": "وهو"، خلاف الأصل، وكذا في "ن".