للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِبانها، وتخرج (١) من مشكاتها، وهي أنَّ العبدَ إذا كان له حال أو مقام مع اللَّه، ثمَّ نزل عنه إلى ذنب ارتكبه، ثمَّ تاب من ذنبه، هل يعود إلى مثل ماكان؟ أو لا يعود، بل إنْ رجع رجعَ إلى أنزلَ من مقامه وأنقصَ من رتبته؟ أو يعود خيرًا ممَّا كان؟

فقالت طائفة: يعود بالتوبة إلى مثل حاله الأوَّل (٢)، فإنَّ "التَّائب من الذنب كمن لا ذنب له" (٣)، وإذا مُحي أثرُ الذنب بالتوبة صار وجوده كعدمه، فكأنَّه لم يكن، فيعود إلى مثل حاله.

قالوا: ولأنَّ التوبة هي الرجوع إلى اللَّه بعد الإباق منه، فإنَّ المعصية إباق العبد من ربِّه، فإذا تابَ إلى اللَّه فقد رجع إليه. وإذا كان مسمَّى التوبة هو الرجوع، فلو لم يعد إلى حالته الأولى مع اللَّه لم تكن توبته تامَّة، والكلام إنَّما هو في التوبة النصوح.

قالوا: ولأنَّ التوبة كما ترفع أثرَ الذنب في الحالِ بالإقلاع عنه في المستقبل بالعزمِ على أن لا يعود، فكذلك ترفع أثره في الماضي جملةً. ومن أثره في الماضي انحطاط منزلته عند اللَّه ونقصانه عنده، فلا بدَّ من ارتفاع هذا الأثر بالتوبة، وإذا ارتفع بها عاد إلى مثل حاله.

قالوا: ولأنَّه لو بقي نازلًا من مرتبته منحطًّا عن منزلته بعد التوبة كما


(١) "ط": "يرتضع. . يخرج"، تصحيف.
(٢) "ك، ط": "الأولى". "ب": "إلى حاله الأول".
(٣) أخرجه ابن ماجه (٤٢٥٠)، والطبراني في المعجم الكبير (١٠٢٨١) من طريق أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه مرفوعًا. قال السخاوي في المقاصد الحسنة (١٨٢): "ورجاله ثقات، بل حسنه شيخنا يعني لشواهده، وإلا فأبو عبيدة جزم غير واحد بأنه لم يسمع من أبيه".